د. علي صالح الخلاقي يكتب:

كان قائداً .. ليس سهلاً

عدن

ليس سهلاً أن تكون قائداً..أن تكون قائداً يجب أن تضع نفسك أمام الموت لصناعة طريق الآخرين"..
هذه العبارة لم تكن شعاراً للزينة، حينما وضعها الفقيد القائد صالح السيد أيقونة لحالة الواتس الخاص به، والذي كان لا يبستخدمه إلا في حالات نادرة وضرورية جداً، فليس له وقت لذلك.  
بل جسّدها في سلوكه القيادي والميداني، فقد جاء من وسط ساحات الثورة الجنوبية ومن متارس المواجهات التي خاض غمارها في مواجهة الغزاة الحوثيين والعفاشيين، ثم في مقارعة الجماعات الإرهابية،  كان شجاعاً حد التهور، غير هياب للموت في ساحات الوغى..يتقدم مرؤسية مقداماً في أصعب الظروف، على الضد من القواعد العسكرية المتبعة والتي لا يدير فيها القائد المعارك من خارج غرف العمليات أو من مواقع آمنة خارج خطوط النار، أما هذا القائد الفذ فقد عُرف عنه أنه يتقدم الصفوف، غير هيّاب للحتوف، ولولا عناية الله للقي حتفه في الكثير من المواجهات التي رأيناه يخاطر فيها بنفسه قبل غيره غير عابئ بملاقات الموت، فكان بذلك يعطي لبقية مرؤوسية من الضباط والأفراد شحنات من الشجاعة وروح الإقدام إقتداءً بقائدهم الشجاع، وقد توقع كثيرون وهم يرون اندفاعه وإقدامه، وحجم المخاطر التي تعرض لها، أن يكون مشروع شهيد، وكان يتمنى ذلك.. وها هو يلقى ربه في هذا الشهر الفضيل، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين ..
كان قائداً مثالياً، بسيطاً، كسر قواعد التعامل مع مرؤوسيه مما جعلهم يفضلون التخاطب معه باسم (العم صالح) وكأنهم أسرة كبيرة ليس فيها رئيس ومرؤوس، ولذلك حظي بحب الجميع واحترامهم ، وانصاعوا له طواعية بكل إخلاص في أوقات السلم والحرب.
جمع في سلوكه صفات لا نجدها في غيره من القادة.. فقد كان قائداً لا يشق له غبار في أتون كل معارك الشرف والعزة، وكان أيضاً مهندساً ميكانيكيا في أوقات الراحة تتطلخ بدلته وجسمه بالزيوت والدهون، إذ أدمن ترميم وصيانة الدبابات والعربات والأسلحة بنفسه، وبدأ ذلك الولع والإدمان منذ لحظات المواجهات مع الغزاة الحوثيين حينما عز السلاح الميكانيكي فأعاد الحياة والحركة للعديد من الآليات والأسلحة والعربات التي أبلت بلاءً حسناً في ساحات المواجهات وعززت من القدرات النوعية للمقاومة الجنوبية..وظل كذلك حتى آخر لحظات وفاته، حيث كان المعسكر بيته ومأواه، على حساب أسرته التي افتقدته لانهماكه في عمله معظم أوقاته، إلا فيما ندر..
فمن يتقدم المعارك في ساحات الوغى-إذا فرضت- بعد رحيلك المفاجئ والمؤلم..
ومن يتعهد العربات والأسلحة بالترميم والصيانة...
ثق أيها البطل الصنديد..أن الجنوب ولادة بالأبطال ..ولسان حالهم وهم يشعرون بفداحة الخسارة برحليك، قول الشاعر:
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ
                          قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا
                               لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ
وَأَسيافُنا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ
                         بِها مِن قِراعِ الدارِعينَ فُلولُ
مُعَوَّدَةٌ أَلّا تُسَلَّ نِصالُها
                             فَتُغمَدَ حَتّى يُستَباحَ قَبيلُ
سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ
                            فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ