سمير عطا الله يكتب :
تراجيديا مصرية
تقاربت الحضارتان المصرية واليونانية منذ الزمان. واختار أشهر يوناني في التاريخ أن يبني المدينة التي تحمل اسمه في أرض مصر وعلى ساحلها المتوسطي. ويبدو أن التشابه في التراجيديات لا نهاية له. ولعلَّ أشهرها في هذا العصر تراجيديا بين رجلين كانا في الحياة الأقرب إلى بعضهما بعضاً، وتحولا في الممات إلى ألدّ الأعداء. كلاهما جاء إلى الرئاسة من الطبقة العاملة وكلاهما وصل إليها عن طريق الكليّة الحربية. وفي تلك الكليّة اتفقا على كل شيء في النظرة إلى مصر وإلى مجتمعها وإلى مستقبلها وإلى موقعها بين الأمم. واتفقا خصوصاً على طبيعة العلاقات مع دولة جديدة آنذاك على العالم العربي هي الاتحاد السوفياتي. وتلاقيا في العداء للولايات المتحدة، وفي النظرة الكليّة إلى إسرائيل وإلى الحرب والسِلم. كان أنور السادات إلى جانب جمال عبد الناصر في الأفراح وفي الأتراح. وفيما تساقط جميع الضباط الأحرار من حول عبد الناصر، وانتهى رفيقه عبد الحكيم عامر منتحراً في ظروف غامضة، ظلَّ أنور السادات الرفيق الأمين. انقسم الرفاق الآخرون من علي صبري، وشعراوي جمعة، وعبد اللطيف البغدادي، وزكريا محيي الدين، بين اليمين واليسار، أما السادات فبقي فقط إلى جانب عبد الناصر سواء مالَّ إلى اليمين أو إلى اليسار أو بقي في الوسط.
ثم دخلت المأساة: مات عبد الناصر فخلفه السادات. ورأى من حوله أخصاماً وحساداً وأعداءً كثيرين فلم يكن أمامه سوى أن يضربهم جميعاً. فقد كان علي صبري مثلاً، يرفض حتى أن يناديه الرئيس، مصراً على مخاطبته «بالسيّد أنور». رأى فيه أهل اليسار عدواً لهم، ورأى فيهم خطراً عليه. وإذ بدأ حربه البقائية، راح يندفع فيها حتى وصل إلى عبد الناصر نفسه، وراح الرجل الضعيف سابقاً يحطم بكل قواه الإرث الناصريّ، أيضاً كما في الأسطورة اليونانية. كلُّ ما كان ناصرياً أصبح ساداتياً. لم يكتفِ الخلف بتغيير السياسة الناصرية بل أخذ يعاكسها. لم يهادن إسرائيل بل ذهب إلى القدس المحتلة. لم يُقم علاقة خاصة مع أميركا فقط بل طرد الخبراء السوفيات في أكبر إهانة لموسكو في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية.
أحد الذين رافقوا تلك المرحلة عن قربٍ شديد كان مراسل «النهار» في مصر الزميل الكبير فؤاد مطر. وها هو يعيد رواية تفاصيل تلك المرحلة من المبارزات في كتابه الجديد: «أنياب الخليفة وأنامل الجنرال» (الدار العربية للعلوم ناشرون). وهو بالأحرى ليس كتاباً عادياً بل قاموسٌ موسعٌ لإحدى أهم المراحل في مصر الحديثة، ومعها العالم العربي وتحولاته ومواقفه في تلك الحقبة. فهو يقع في 600 صفحة، غنية بالوثائق ومكتوبة على شكل سردٍ نرى فيه الكاتب حاضراً في معظم الأمكنة، بسبب قربه آنذاك من كبار أهل السياسة والصحافة على السواء. كتابٌ آخر من فؤاد مطر يتساوى فيه كالعادة العنوان مع التوقيع.