سمير عطا الله يكتب :

سيرة من 22 مليون وثيقة

بالنسبة إلى كثير من غير الأميركيين، وإلى عدد كبير من الأميركيين أيضاً، كان ليندون جونسون رئيساً شبه مكروه. فقد انطبعت في ذاكرة العالم صورته وهو يؤدي اليمين الدستورية على الطائرة التي كانت تنقل جثمان الرئيس القتيل جون كيندي. وكان كيندي الشاب جذاباً يحبه الناس على أنه مفترقٌ أساسي في تاريخ البيت الأبيض.
عندما قرر روبرت كارو أن يكتب سيرة جونسون اكتشف العكس تماماً. إنه أمام شخصية مثيرة في الحياة وفي عالم السياسة. وإذ بدأ أبحاثه في «مكتبة جونسون» تبين له أنها تضمُ 22 مليون وثيقة. ومع ذلك قرر أن يعمل بنصيحة أول معلمٍ له في الصحافة الذي قال له: «ابحث، ابحث ثم ابحث».
تحدث كارو إلى أرملة جونسون، اللّيدي بيرد، وإلى شقيقه سام هيوستون جونسون، وإلى رواد المقاهي في «جونسون سيتي»، وإلى السياسيين الذين عرفوه. في البداية اخترع سام جونسون الحكايات حول شقيقه، وكان هذا سكيراً ومتسكعاً. وكان كارو يصغي وهو عارفٌ بأن الصحيح في روايات الشقيق قليل جداً. ثم تعرض الشقيق لحادثٍ جعله يتخلى عن الإدمان ويسير متكئاً على عصا.
وعندما أصغى إليه هذه المرة قال الشقيق «انسَ كلَّ ما قلته لك من قبل ودعنا نبدأ من جديد»، وراح يروي عن الحياة الصعبة التي عاشها الرئيس شاباً في منزله الأبوي. فلم يكن يمضي يوم من دون شجار بينه وبين والده على مائدة الغداء. كان الأب يكرر القول دائماً: «إنكَ لا تصلح لشيء وخصوصاً للدراسة الجامعية». وكان الابن يكرر بمرارة وصفاقة: «مَن أنتَ لكي تقيّمني، إنكَ مفتش تذاكر في حافلة ولستَ حتى سائق الحافلة».
يروي الشقيق أيضاً أن علاقة جونسون بأبيه ظلت حتى وفاته حائرةً بين الكره والمحبة. لكنه لم ينجح فحسب في الحياة الجامعية بل دخل مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ وفي النهاية صار رئيساً للولايات المتحدة. علاقة أخرى كانت مزيجاً من الحب والمرارة هي تلك التي ربطته بإحدى جميلات تكساس، أليس غلاس. كان الجميع يعرف بتلك العلاقة، زوجته وزوجها، أو بالأحرى أزواجها الكثيرون الذين طلّقتهم.
وقد روت له الليدي بيرد أن جونسون عمل طوال حياته بكل نصيحة أعطته إياها أليس غلاس، سواء في هندامه وطريقة حديثه أو في معاطاته السياسية. ويبدو أنه هو أيضاً ظلَّ حبها الأول والأخير، يذهب لزيارتها في أي ولاية تنتقل إليها. إلّا أن المرارة دخلت على هذه العلاقة بسبب خطوات جونسون في تصعيد حرب فيتنام. فقد كانت أليس غلاس تعارض كلّياً تلك الحرب وتعتبر أنها ستؤذي سمعة الولايات المتحدة في الخارج، إضافة إلى ما تلحقه من انشقاقات في الداخل الأميركي. توفي جونسون عن 64 عاماً وعُقدته الكبرى وسامة جون كيندي وثقافته وجاذبيته الشعبية.