أربعون عاماً على مقاومة نظام الملالي

في مثل هذه الأيام من عام 1979 انتصرت إرادة الشعب الإيراني البطل ، انتصرت ثورته المجيدة ضد نظام الاستبداد والطغيان ، ضد سياسة التغريب القوية التي انتهجها الشاه باعتماده على القوى الغربية وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية وبتوطيد علاقاته مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية ، إضافة إلى البذخ والفساد في سياساته وديوانه الملكي .

 

ولم تنجح ممارسة القمع ضد حركات المعارضة الإيرانية وفي مقدمتها حركة مجاهدي خلق التي نفذها جهاز الأمن السري (السافاك) ، وأمام انتهاك الدستور ، وانهيار الاقتصاد على الرغم من عائدات النفط العالية وتزايد حدة التضخم المالي واتساع نطاق السوق السوداء ، وأمام تكريس سياسة احتكار الحزب الواحد ، وسوء تقدير قوة المعارضة ومنع ظهور أي منافس ذو كفاءة يمكن أن يقود الحكومة والدولة ...

 

أمام هذه السياسات الفاشلة لم يجد الشعب الإيراني طريقاً غير الثورة على هذا النظام الفاسد ، فانطلقت ثورته المباركة غير آبه ولا مبالٍ بالتنكيل والقيود والإجراءات التعسفية والعقابية التي اعترضت طريقه الثوري ،

 

واتحدت كل حركات المعارضة في خندق واحد اليسارية منها والدينية ، وانحاز معظم الجيش إلى الثورة ، لكن القيادة كانت للخميني الذي عاد من المنفى إلى طهران في مطلع عام 1979 ، فحظي باستقبال شعبي واسع على أنه أمل الجماهير المتعطشة للحرية والاستقرار والازدهار .

 

طلع فجر الحرية وتنسم الشعب الثائر عبيرها في يوم 11/2/1979 بانهيار حكم الشاه المخلوع ومغادرته طهران إلى القاهرة في 16/1/1979م بعد عامين من الاحتجاجات والانتفاضات والثورات المتواصلة في المدن الإيرانية والتي بلغت أوجها في شهر كانون الثاني عام 79 ،

 

عاش الشعب الإيراني نشوة الانتصار وذاق حلاوته ، وبدأ يستعد لحياة جديدة ينعم فيها بالحرية والديمقراطية والحقوق الفكرية والثقافية والسياسية التي حرم منها ، وهتفت الحناجر يومها [ في ربيع الحرية نستذكر الشهداء ]

 ولكن هذه البهجة لم تدم ، وبدأت تحيط بالشعب المخدوع خيبات الأمل من قيادته الجديدة ، القيادة التي اختطفت ثورته وجيَّرتها لحساب ولاية الفقيه ونظام الملالي ، القيادة التي سرقت الثورة والسلطة والسيادة ، وهي التي طالما زعمت إبّان الثورة بأنها لا ترغب بالسلطة ولا تسعى إليها ، والحقيقة أنها كانت متعطشة للسلطة المطلقة .

 

لقد استدار الزمان كهيئته أيام الشاه المخلوع ، فعاد الشعب الإيراني إلى المربع الأول ، فسرعان ما اكتشف بأنه استبدل دكتاتوراً دينياً فاشياً بالدكتاتور المدعوم من أمريكا والغرب ، فالنظام الجديد اتبع نهج نظام الشاه وحذا حذوه في كبت الأنفاس وخنق الحريات واضطهاد الناس ، واقتدى به في رفض الآرء المعارضة وإقصاء أصحابها ،    

 

وما هو إلا زمن يسير بعد نجاح الثورة حتى تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة ، حتى المعارضة المعتدله تم قمعها واضطهد كثير من كبارها ورموزها مثل شريعتمداري الذي وضع تحت الاقامة الجبرية ، وأغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار لمدة سنتين لإقصاء معارضي النظام الديني ، وتم فصل عشرين ألف معلم وثمانية آلاف ضابط ، واستخدم الخميني أسلوب التكفير للتخلص من معارضيه أو وصفهم بالمنافقين ،

  وامتلأت السجون مجدداً بالمعارضين ، فكل شبر في إيران يشهد على أربعين عاماً من القهر ومعاناة الفقر والتعذيب والإذلال ، وتم إعدام ما يزيد عن مائة وعشرين الفاً من السجناء السياسيين منهم على سبيل المثال لا الحصر ما جرى في صيف عام 1988 بإعدام 30 ألف معتقل من منظمة مجاهدي خلق المعارضة خلال شهر واحد بفتوى مباشرة وصريحة من الخميني شخصياً وبتنفيذ من لجنة الموت ، وقد اعترف وزير المخابرات علي فليحان بهذه المجزرة البشعة ، وتصاعدت وتيرة أحكام الإعدام في الداخل وعمليات الاغتيال في الخارج ؛ وليس آخرها اغتيال الروائي العراقي علاء مجذوب في كربلاء قبل عدة أيام بسبب انتقاده ثورة الكاسيت .

 

ومن هنا عادت حركات المعارضة المناهضة لنظام الاستبداد والجور إلى المقاومة والصمود من جديد ، وبالأخص منظمة مجاهدي خلق بقيادة السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة من المقاومة الإيرانية ، هذه المنظمة التي تأسست عام 1965 ضد نظام الشاه اصلاً ، وكانت تربطها علاقات وثيقة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله ، وبناء على ذلك كلفني في عام 2003 بالتواصل معها ؛ حيث كنت يومها قاضياً لقضاة فلسطين ، وهي المكوّن الأكبر لمجلس المقاومة الإيرانية ، ووصفها رحمه الله بأنها الداعمة بقوة للثورة الفلسطينية على جميع الأصعدة ، وبأنها المعارضة الوطنية الشريفة الحريصة على مصالح شعبها ، والتي تعمل بجد وإخلاص لحمايته من نظام الملالي المستبد ، والذي يحاول زرع الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة لتحقيق أهدافه السياسية ولتنفيذ مشروعه التوسعي في إحداث تناقضات في كل البلاد العربية والإسلامية تحت عنوان تصدير الثورة الإسلامية  ، والحقيقة أنها ستار لتصدير أزماته إلى دول المنطقة بل إلى دول العالم بنشر الحروب وزعزعة الاستقرار فيها ، مما أغرق المنطقة في الخراب والدمار والدماء .

 

حتى القضية الفلسطينية كانت قميص عثمان لهذا النظام ، فبعد سنين من الشعارات الخداعة التي رفعها هذا النظام بادعاء موقفه الرافض لاحتلال فلسطين ، وزعمه أنه يجاهد في سبيل القضية الفلسطينية وتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك تجلى موقفه الحقيقي منها للعالم أجمع ، وهنا تقفز إلى الذهن فضيحة إيران كونترا أو إيران جيت التي أدت إلى إنهاء حرب العراق عام 1988 ، فقد كشفت هذه الفضيحة عن التعاون السري بين الكيانين الغاشمين ، وفضحت كذب العداء المزعوم بينهما .

 

لقد جمع درب النضال والمقاومة وأخوّة السلاح بيننا وبينهم ، فكثير من أعضاء هذه المنظمة تدربوا في معسكرات الثورة الفلسطينية ، والقاسم المشترك بيننا أنهم يقاومون الظلم والاستبداد والقهر ، ويعملون على تحرير الشعب الإيراني الشقيق من النظام الذي يمارس ضده أنواع الإرهاب ، ويتطلعون إلى تحقيق آمال شعبهم في الحرية والديمقراطية والرخاء والاستقرار تماماً كما يقاوم شعبنا الفلسطيني الاحتلال الصهيوني الغاشم للتخلص من ذله وظلمه وجبروته ولنيل الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها مدينة القدس المباركة ،

 

ومنذ ذلك الحين وأنا على اطلاع ومعرفة بكثير من الانتهاكات التي ارتكبها النظام الفاشي في طهران ضد الشعب الإيراني على مدى أربعين عاماً مضت ، فأسس بذلك لظهور التنظيمات المتطرفة في العالم وإلصاقها بالإسلام والمسلمين ؛ حيث إنها استقت سلوكياتها وسياساتها وأحكامها الدموية من سياسات وسلوكيات وأحكام الخميني وفتاواه الضالة المضلة والمُثْبَتَةِ بخط يده ، هذا الحاكم الطاغية الذي فاق بظلمه لشعبه ومخالفيه جبابرة الأرض ،

 

لو كان الخميني حيًّا لرأى بعينه عنفوان المقاومة المجيدة وجذوة ثورة الشعب الإيراني الباسل ، ثورة يقودها الشباب والنساء ويهتفون فيها [ الموت للدكتاتور] على الرغم من القمع والمجازر والإعدامات والاعتقالات والتعذيب في أقبية السجون ، لكن ها هو نظامه يجد نفسه أمام انتفاضة منظمة مؤزّرة واعدة بالنصر وتحقيق آمال الشعب الإيراني في نيل الحرية والديمقراطية والازدهار .

 

وحاله تماماً كحال انتفاضة الشعب الفلسطيني الصابر المصابر المرابط على أرضه في وجه الاحتلال الغاشم ، انتفاضة مؤزرة واعدة بالنصر وتحقيق آماله بزوال الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس المباركة .

إننا موقنون بأن آمال الشعب الإيراني بالحرية والانتصار على نظام ولاية الفقيه ، وبأننا سنحتفل يومها جميعاً في طهران بهذا الانتصار ، وبأننا سنصلي معاً في المسجد الأقصى المبارك شكراً لله تعالى على تحرير فلسطين وزوال الاحتلال الغاشم ، قال تعالى { فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } المعارج 5-7 

مقالات سابقة