سمير عطا الله يكتب:
نزع الفتيل
كان الشهيد كمال ناصر، شاعراً وظريفاً وساخراً، خفيف الظل والحضور. وكان يروي أنه في أحد المواقف أظهر خوفاً واضحاً، فقال له رفيقه: «هل معقول أنك تخاف؟»، فما كان منه إلا أن ضرب يده على جيبه، وفتح جواز سفره أمام صديقه، وقال: «اقرأ لي ما هو مكتوبٌ هنا»، فقرأ الصديق في صوت عالٍ: «كمال بطرس ناصر»، فعلق كمال بالقول: «إذن تأكدت أنني لست عنترة بن شداد».
بي عادة، أو طبيعة، لم أستطع تغييرها ولا حاولت ذلك. وهي أنني أخاف الأشياء التي تبعث على الخوف، ولا أنظرُ إليها فقط كحدثٍ يستوجب التعليق أو التحليل أو التذكير. وقد يبدو الأمر مضحكاً، وهو كذلك. وآخر مرة تنبهت إلى حالتي هذه، في اشتباك الحدود أو عبر الحدود بين الهند وباكستان. فقد ذهبت بي الأفكار إلى ما قاله الرئيس بيل كلينتون ذات يوم، وهو أن الوضع بين الهند وباكستان هو أخطرُ المواضع تفجراً في العالم. وقد ازداد الخطر رعباً بعد حصول باكستان على القنبلة النووية. وربما تذكر كلينتون يومها ما حدث من مجازر بين الهنود والباكستانيين على أثر الاستقلال، وكان ذلك بالأسلحة التقليدية أو البيضاء، فكيف إذن وشبه القارة الهندية قد أصبح مدججاً بالسلاح النووي.
أخذتُ أستعرضُ الحروب التي مرت بها تلك المنطقة، وأنا أقرأ البيانات العسكرية العنيفة من الجانبين. وقرأت في صحيفة أميركية تعليقاً للمفكر الباكستاني طارق علي عن اضطهاد المسلمين في كشمير ومخاوف الاندلاع الموسع. وطالعتُ صحفَ نيودلهي فلم أجد ما يبعث على الاطمئنان. وتذكرت أعدادَ الهنود والباكستانيين في الخليج، وشعرتُ كم أننا جزءٌ من هشاشة السلام في هذا العالم. هذه طبعاً مشاعر لا تخامرُ المحللين المهنيين، وإنما ذوي المخاوف من أمثالي الذين كلما شهدوا حدثاً عادت إليهم شرائط الأحداث متدافعة ومقلقة.
أنقذني عمران خان عندما نجحَ نجاحاً باهراً في أول امتحان له كزعيمٍ باكستاني. فهو كلاعب «كريكيت» ماهر أدركَ أن تسجيل الهدف يتم بوسائل كثيرة. وقد اختار الوسيلة الأسرع والأجدى فسارع إلى إعادة الطيار الهندي إلى بلاده. ولم ينتظر المفاوضات ورسائل الاحتجاج وسحب السفراء وتكرار الأزمات المزمنة بين البلدين. ليس في سوابق الأزمات الهندية الباكستانية مثل هذا التصرف. وأعتقد أننا سوف نشهد في إسلام آباد مرحلة مختلفة كلياً عن الدبلوماسية القائمة منذ 1947.