سمير عطا الله يكتب:
لا تُضع النص
منذ أن كشف الصحافي الأميركي سايمون هيرش مجزرة «ماي لاي» في افيتنام أوائل الستينات وهو يبحثُ عن الإخفاقات والنواقص في السياسات الأميركية، ومنها على سبيل المثال قضية سجن أبو غريب في العراق. هذه أولُ مرة أقرأُ فيها لهيرش مديحاً في أحد. ففي مقالة مطولة في «لندن ريفيو أوف بوكس» يعيدُ كتابة سيرة جورج بوش الأب على أنه لعب الدور الأهم كنائب للرئيس، خلال ولاية رونالد ريغان.
والمعروف أن نيابة الرئاسة في البيت الأبيض منصبٌ احتفالي أكثر منه مهمة عملية. غير أن ريغان الذي فاز مرتين متتاليتين بأكثرية ساحقة غير مسبوقة، كان قد بدأ يتعبه العمر. ولم يعد يتحمل الشروحات الطويلة من معاونيه، خصوصاً في نواحي الأمن القومي. وهكذا ترك المهمة برمتها إلى نائبه في مرحلة كانت تعاني فيها أميركا من الضعف في مقابل القوة السوفياتية المتزايدة في العالم.
لعب بوش دوراً رئيسياً في تشويه سمعة السوفيات وفي خداع العالم حول قوة الولايات المتحدة. وكان أبرز ما فعله هو تلك الخديعة الكبرى التي سميت «حرب النجوم». فقد أدرك الأميركيون آنذاك أن الروس حققوا تقدماً مهماً في السلاح النووي، وهكذا اخترعوا شيئاً لا يمكنُ تحقيقه على الإطلاق، إلّا أنه أرغمَ موسكو على الدخول في منافسة تسلّحية أدّت في نهاية المطاف إلى إفلاسهم.
كان على بوش أن يراقب طوال الوقت سلوكَ رئيسه خشية أن يدلي بتصريحٍ أو أن يأتي بخطوة تكشفُ عدم اهتمامه أو جهله بالقضايا الكبرى. ولذلك أُبقي بعيداً عنها، إلّا من عرضٍ موجز.
وقد اتفقَ المعاونون على وضع نصوصٍ شديدة الاختصار يقرأها الرئيس، شرطَ أن تكتبَ على طريقة السيناريو السنيمائي، الذي اعتاده يوم كانَ لا يزالُ نجماً من نجومِ هوليوود. وكان يَدبُّ الرعب فيهم عندما يضيع الرئيس الملاحظات الموضوعة أمامه، خصوصاً في لقاءاتٍ مع مسؤولين أجانب.
وقد عوّض ريغان عن جهله بالأمور الكبرى بمعرفته الفطرية بالشؤون السياسية، وبأسلوبه في إفحام خصمه أو محاوره على السواء. وهذا ما جعل نائبه في حالة تأهبٍ دائم، خصوصا أنه أولُ مدير سابق لــ(سي آي إيه) يصل إلى هذا المنصب، ومن ثمَّ إلى المنصب الأول كذلك.
في خلاصته يعتبر سايمون هيرش أن بوش الأب كان متعدد الكفاءات والإنجازات، بعكس ما حدث فيما بعد مع بوش الابن. وهو أهم تقرير للرجل يأتي من صحافي لم يعتد سوى النقد الشديد.