كرم نعمة يكتب:
وهن رقمي في جدار المجتمع العربي
لا يتردد “برلماني” عراقي في توجيه الإهانات للآخر بطريقة شعبوية وسطحية عندما يستخدم اللهجة الموغلة في الدارجة، في التعبير عن نفسه عبر حسابه على تويتر الذي يتابعه عشرات الآلاف من المستخدمين.
في الواقع، هذا البرلماني يعبر عن شخصيته المتناقضة بامتياز، لأنه يظهر نقمته على الوضع السياسي القائم، بينما هو شريك فعلي في تلك الرثاثة. أن تكون ناقما على البؤس السياسي وأنت جزء من تشكيله، لا يعني غير أن تكون عنصرا سياسيا ضارا متواجدا في المنطقة الخضراء “أي منهم كان نافعا؟”.
سنجد أمثلة عربية أخرى معادلة للبرلماني العراقي، مسؤولين على درجة من الأهمية في بلدانهم… وزراء… قادة سابقين وحاليين… وربما لهذا السبب اعترف الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق بأنه يمتلك حسابا على تويتر باسم مستعار من أجل مراقبة الأجواء المحتدمة وتجنب المتطفلين. إنه نوع من الاعتداد بالنفس ورباطة جأش لم يعد يمتلكها سياسيو اليوم في زمن التواصل الاجتماعي.
الكوميديا السياسية المتمثلة بالبرلماني العراقي يمكن تشخيصها في أخطر الظواهر الإعلامية المتصاعدة والمستمرة على فيسبوك وتويتر في عالمنا العربي.
وصلت الرداءة إلى أن يكون التميز في أن يعلن المرء عن أميّته دون مواراة! وإلا ما الذي يدفع اللجوء إلى أسوأ لهجة في التعبير يستخدمها السياسيون العرب لقتل اللغة، ومثالهم بامتياز البرلماني العراقي!
سنجد معادلا برلمانيا لذلك في أرفع الديمقراطيات الغربية، عندما يتعلق الأمر بالتطرف والعنصرية، إنهم يغردون على الضفة الأخرى ينتقدون المحتوى الضار ويحمّلون شركات التكنولوجيا الكبرى مسؤولية ذلك، ومن الغريب أن أعضاء البرلمان لا يتساءلون أبدا عما إذا كانوا ضحايا لنفس التأثيرات التي تحدثها هذه الأدوات التي يستخدمونها أيضا طوال الوقت.
خذ ما حدث للعضو في مجلس الشيوخ الأميركي إليزابيت وارن هذا الأسبوع عندما دعت إلى تفكيك شركات التكنولوجيا العملاقة.
وكتبت وارن إحدى المرشحات عن الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة الأميركية في 2020، في تغريدة عبر تويتر “هل لديكم فضول لمعرفة سبب اعتقادي بأن فيسبوك تتمتع بنفوذ هائل؟”.
وفصّلت خطة واسعة لتفكيك شركات التكنولوجيا العملاقة التي تتمتع “بنفوذ زائد على اقتصادنا ومجتمعنا وديمقراطيتنا وتخنق المنافسة” مصوّبة خصوصا على فيسبوك وغوغل وأمازون.
إليزابيت وارن كغيرها من سياسي الغرب تحذر من مشكلة كبيرة تقلق الحكومات بشأن تعرض الناس مرارا وتكرارا للأفكار الراديكالية والمتطرفة.
لدينا في العالم العربي يمارس السياسيون ورجال الدين أقصى درجات الطائفية والكراهية في تعبير معلن على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
إذا نظرنا إلى الطائفية، فمن الصعب ألا نعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي، كانت سببا في زيادة منسوبها، ستجد “جيوشا من الحمقى” يعبرون عن أنفسهم بما يكرهون وبطريقة متخلفة، وهذا شأن عام صار متاحا، لكن أن يكون السياسيون أنفسهم شركاء في تمزيق بنية المجتمع وبث الهوان في جدرانه، ذلك هو الخطر الأشد.
لماذا إذا يطالب السياسيون شركات التكنولوجيا الكبرى بأن يتعين عليها فعل المزيد من أجل منع انتشار التطرف والكراهية والعنصرية، إذا كانوا هم شركاء في مثل هذه الأفعال؟
سيكولوجية الإنسان الضعيف تتفاعل مع كل إهانة رقمية طفيفة يشعر بها، الأمر الذي يدفعه إلى ارتكاب ردة فعل شديدة، وهكذا تمتد حلقة الإهانات في تغريدات مستمرة، ولا تنتهي إلا بمحصلة من الهراء الذي يضيف وهنا إلى الوهن الذي أصاب المجتمع العربي، وكانت وسائل التواصل أحدث طرق انتشار هذا الوباء.
لقد أطلق تشارلز آرثر محرر صفحة التكنولوجيا السابق في صحيفة الغارديان ومؤلف كتاب “الحروب الإلكترونية: الحرب التي هزت عالم الأعمال”، تساؤلات مجدية للغاية هي أشبه بحلول ليكون فيسبوك وتويتر وواتساب أكثر جدوى لتفاعل الناس، ماذا لو أن المجموعات على فيسبوك التي يشارك فيها السياسيون تمنح الناس الفرصة لقول أشياء لن يفكروا في قولها بصوت عال؟
ومقابل مقترح آرثر بمطالبته رئيس وأعضاء حزب المحافظين البريطاني بالتعليق العلني على مفهوم الإسلام في المجتمع البريطاني والعالم، نقترح أن تفتح حسابات السياسيين العرب التي بعضها يحظى بمتابعة الملايين، فرصة حوار بشأن حماية المجتمع من الكراهية والطائفية؟
ماذا لو اعترف مسؤولون وبرلمانيون وسياسيون اليوم بأنهم لفقوا معلومات وأدلوا ببيانات غير صحيحة للإضرار بغيرهم وتشويه سمعتهم، في محاولة لإصلاح الخطأ عبر الاعتراف بالخطأ!
ألا يصبح مثل هؤلاء نموذجا للمستخدم العادي للتفكير في إصلاح نفسه والتوقف عن بث الكراهية عبر حسابه الشخصي؟
ثمة خطر يكمن في مجموعات على وسائل التواصل يديرها سياسيون ورجال دين وظيفتها تفسير التطرف، فهذه المجموعات وفق الباحث كاسس صنشتاين في جامعة شيكاغو ترتبط ارتباطا وثيقا بالمخاوف الحالية بشأن عواقب الإنترنت.
وقدم صنشتاين فهما لديناميات المجموعات على واتساب بكونها تميل نحو المواضيع الأكثر تطرفا وفق ما يعرف باسم “قانون استقطاب المجموعة” في التحولات الثقافية وسلوك الأحزاب السياسية والمنظمات الدينية.
يتمثل الخطر الرقمي بالاستقطاب عندما يكون لكل شخص رأي مشابه إلى حد كبير بشأن موضوع “على سبيل المثال، جميعهم ينتمون إلى نفس الحزب السياسي، أو نفس الطائفة أو القومية”، ولكن البعض لديهم آراء أكثر تطرفا.
لذلك نترقب خطة فيسبوك الجديدة التي أعلنها مارك زوكيربرغ مؤخرا على أمل جعل البيانات الضارة تختفي تلقائيا وتحطيم تأثير المنشورات الإخبارية وجعل التفاعلات آمنة وخاصة، كل ذلك يقلل من حاجة شركة فيسبوك إلى تهدئة ومراقبة جمهورها الواسع الذي يسعى إلى التأثير عليها.