سمير عطا الله يكتب:
الباب الدوّار والطريق المسدودة
عذراً؛ عن أي كلام عن الذات، أمس واليوم وغداً، لأنه دليل ضعف نفسي وعقدة لا شفاء منها. لكن في بعض الأحيان لا بدَّ من ذلك، اقتضاء التوضيح وليس التبرير. وقد بدأت الكتابة عن المسألة الجزائرية عندما ازداد احتدادها، مذكّراً بميزات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحسناته، مختتماً المقال الأول بأنه لمن له مثل هذه السيرة الحق في الترشّح، أو من الأفضل أن يرشّح هو من يخلفه. ومع ازدياد الاحتجاجات إلى أحجام هائلة، أدركت مثل غيري، أن البقاء لم يعد حلاً، والأفضل العثور على مرشّح بديل تتّفق عليه الجزائر. بدل أن يصغي النظام الجزائري إلى أصوات الناس ويتمعّن في مشهد الجماهير الذي لا يقبل حواراً أو جدلاً، ظلّ يراهن على قرار مؤلم ومحزن ومستحيل. ولم يأخذ هذا النظام في الحسبان شيئاً جوهرياً في حياة الجزائريين وتاريخهم؛ هو كرامتهم. فظلّ الرئيس المرشّح شبحاً لا يُرى ولا يُسمع. وعندما عاد من جنيف على الشكل الذي عاد به، كان الأمر أكثر إذلالاً للجميع. ولا أحب أن أستعيد هنا الوصف الذي قدّمته صحف سويسرا لزعيم عربي في حجم بوتفليقة وحجم الجزائر.
عندما هبطت طائرة الرئاسة العائدة من بلاد الطبابة المستحيلة، أدرك الذين يريدون أن يدركوا، أن الأوان قد فات على كل شيء: لم يعد ممكناً أن يستمر الرئيس، ولا أن يرشّح أحداً، ولا بقيت لاستقالته أي أهمية أمام هذا المشهد الجزائري الذي لم يُرَ منذ خروج الفرنسيين. كم كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي واعياً عندما شعر بأن اللحظة المناسبة قد تفوته في أي لحظة، فخاطب التونسيين قائلاً: «لقد فهمتكم»، وهي جملة شهيرة كان قد قالها ديغول للفرنسيين قبيل الخروج من الجزائر. قال بن علي هذه الجملة وحزم حقائبه ومشى. وبذلك وفّر على التونسيين متاهة الدماء التي غرقت فيها ليبيا، والفوضى التي غرقت فيها مصر، عندما تأخّر الرئيس مبارك في إعلان قرار؛ عرف أنه أصبح حتمياً لا مفرّ منه.
أصعب لحظات الأمم هي الوصول إلى طريق مسدودة. وهذه هي حال الجزائر اليوم، التي أصبحت في وضعها السياسي مثل الرئيس في وضعه الصحّي. منذ نحو العقد والعالم العربي يهتزّ مشرقاً ومغرباً بسبب قصر النظر وضعف السمع. أنظمة تتجاهل الملايين وترى رجلاً واحداً. ورجل واحد يربط بمصيره مصير شعوب ومستقبلها ومستوى معيشتها. وإذا كان من نافذة أو باب مفتوح اليوم، فليس بالتأكيد الحكومة التي يعجز رئيسها عن تشكيلها؛ بل هو في مؤتمر وطني عاجل، يمثّل القوى الحقيقية في البلاد، ويقنع الجزائريين بالعودة إلى بيوتهم ومؤسساتهم، ويرفع لهم التحية عالياً حيال التصرّف المدني الذي أظهروه والنضوج القومي الذي أكّدوه. وفي كل عربي أمنية بأن تكون الجزائر نموذجاً في المسؤولية كما كانت نموذجاً في الحرية.