مشاري الذايدي يكتب:

الرياض من حلم عبد العزيز لواقع سلمان

تابع السعوديون، وغيرهم، تدشين الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل فترة، مشروع الرياض الجديدة، بمساراتها الثلاثة، الرياض الخضراء والرياض الرياضية والرياض الفنية، كيف كان والد سلمان، المؤسس عبد العزيز، يهجس بالتنمية والاخضرار والازدهار، لبلاده وشعبه من قبل.
لم يكن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، مجرد فاتح عظيم ومقاتل نبيل، وربّ سيف وأمير كفاح، غبّر فرسه وأجهد مطيته في فيافي نجد ورمالها، وجبال الحجاز ووديانه وواحات الأحساء وشعابها، وخباري الدبدبة وصياهدها.
لم يكن هذا فقط، وحسبك به من سابق لا يجارى، بل كان صاحب رؤية للتعمير والتثمير وبناء الإنسان، وتفجير طاقات الجزيرة العربية في جغرافيتها وإنسانها.
هذا الحرص على تحويل الرياض لتطابق اسمها، رياضاً خضراء، والبحث عن الجمال في العمران النابع من نبع الأصالة الحقيقية، من أين جاء لولي عهد الأمل والرؤية محمد بن سلمان؟ ولماذا يأمر به ويباركه الملك سلمان؟
إليك الجواب، من معدنه، أو بعضاً من الجواب. صحافي مصري شهير، زار السعودية في فجر نهضتها عام 1947 وقابل الملك المؤسس عبد العزيز، وأجرى معه حديثاً، وقابل رجال الدولة الفتية كذلك، إنه محمد رفعت، الذي كان يضيف إلى ذلك لقب: المحامي.
ينقل عن الملك عبد العزيز هذه الحكاية:
«قال لي ذات يوم خلال حديثه عن البترول: أتعرف أنه كما أن النيل شريان الحياة في مصر فإن البترول شريان الحياة في السعودية، وكما أن النيل ينساب في بلدكم حاملاً الخير بمائه العذب، فإن البترول ينساب في صحرائنا داخل أنابيب البترول. وثمة فارق واحد بينهما أن الأنابيب تسير في الصحراء ملتوية متعرجة كالأفاعي، ولكنها لا تحمل سمّاً، بل البترول الخام. ومع ذلك فإن الماء والبترول يحتاجان إلى تنقية، وضحك ضحكته الرزينة المتأنّية، وقال لي مداعباً: تبادلونا؟».
ويضيف محمد رفعت: «كان جلالته يخطط بنفسه لعمران بلاده، وكثيراً ما كان يسحب ورقة أمامه، ويخطّ رسماً كروكياً لهذا العمران (...) ويقول لن أقلّد الغرب أو الشرق في بناء المدن السعودية، بل سأختار طرازاً خاصاً بنا، ينفرد ويزهو على بناء كل مدن العالم، ويكفل لكل مواطن بيته دون تمييز أو تفرقة».
ثم يورد هذا الحس الرفيع لدى العزيز، يقول عنه:
«كان يحلم باليوم الذي تكسو فيه الخضرة أرض المملكة».
من كتاب «أسد الجزيرة قال لي». تأليف محمد رفعت المحامي، ومراجعة الدكتور حمد بن ناصر بن دخيل، ص 13 - 14 مكتبة الملك عبد العزيز العامة 1999.
صدق أبو تمام حين حكم حكمه هذا:
أبى لي بحرُ الغوثِ أن أرأمَ التي
أُسبُّ بها... والنجرُ يشبههُ النجرُ