سمير عطا الله يكتب:

تأهيل الشعب السوداني

شعر كثيرون بانقباض، وهم يرون السيد عوض بن عوف يخاطب شعب السودان، جالساً على كرسي عمر البشير، اللمّاع، المجنَّح، والمبتذل الشكل. وكان عوف صريحاً مع الملايين المنتظرين في الخارج: عامان آخران من العسكر، وبرئاسته. وبعد ذلك انتقال السلطة. إلى مَن؟ من الآن إلى حينها، يكون ورثة البشير قد درسوا تماماً طريقته في وراثة نفسه.
لا أعتقد أنها سوف تمرّ! لم يستوعب عسكريو الخرطوم تماماً أحداث الأشهر الماضية: لا حالة الطوارئ، ولا منع التجول، ولا اتهامات الخيانة، ولا حرارة 42 مئوية في الظل. لا شيء حال دون نزول السودانيين إلى الساحات يطلبون الحكم المدني الذي يستحقون.
لم يكن هذا ما أرادوه، في الفقرة التالية لفقرة عزل المشير. التمديد عامين إضافيين للحكم الذي حوّل السودان إلى حقل تجارب في العلاقات العربية والدولية، وإلى مركز تنطلق منه العداوات في كل اتجاه. منذ عقدين والسودان في ظل رجل ممنوع من زيارة ثلاثة أرباع العالم.
أعلنت المرحلة الانتقالية في الجزائر لمدة 90 يوماً. وبلا طوارئ وبلا منع تجول. هل الجزائريون أكثر نضجاً وعملاً بالقانون؟ لا. إنما الجيش الجزائري أكثر معرفة بواقع الحال في البلاد. وبماذا يمكن أن يُقبل، وماذا لا يُقبل. وأن عين العالم أجمع مفتوحة على نتائج هذا الامتحان. وأن من الأفضل للجميع عدم قطع الخيط الذي يربط الناس بالنظام.
ربما يكون الحل في الخرطوم إعادة النظر في الخطة التي وضعها العسكر. فالأرجح أنهم تصرفوا تحت ضغط الساعة، وأن الأحداث داهمتهم. لكن الأكيد أنهم لا يريدون تكرار أنماط البشير الموجود في «مكان آمن» تحت «التحفظ». لا أحد يريد أن يكون الرجل في مكان غير آمن. ولا أحد يريد أن يرى رئيساً عربياً آخر ماثلاً أمام القضاة. فليسامح الله الجميع. لكن ليس مسموحاً معاملة الشعب السوداني على أنه في حاجة إلى تأهيل كي يعرف العيش في ظل القانون المدني مثل سائر شعوب الأرض.
قال السيد بن عوف في نهاية خطابه «نرجو أن تتحملونا قليلاً». هذه عادة سيئة. لماذا دائماً على الناس أن تتحمل؟ حكومة لبنان تطلب من الأهالي «الصبر على قرارات موجعة». ماذا أكثر وجعاً من انعدام الكهرباء والماء وفيضان الفقر والبطالة؟