سمير عطا الله يكتب:

مفكرة القاهرة

فكرت في أن يكون العنوان العام لهذه السلسلة «القاهرة بعد 14 عاماً»، لكن سبقتني إليه زميلتنا جوسلين إيليا في مدونتها المنشورة في هذه الصحيفة. وهو إدانة لكلينا في أي حال. فكيف يسمح المرء لنفسه بالتغيب 14 عاماً عن مصر، خصوصاً إذا كان صحافياً ويعرف بالتجربة الطويلة أن القاهرة منبع مواضيع ومشاهدات وحديقة ذكريات؟
حالت بين القاهرة وبيني، سنوات الاضطراب والقلق. ولا يليق بهذه المفترّة النفس إلا الفرح. لذلك، تمنعت كل هذه السنين. وتألمت مع ملايين البشر ونحن نرى مصر ترتج وتنقل الحوار إلى الشارع، وبصورة تلقائية، تلحق به الحجارة والفوضى، ولكل حارة زعيم.
هبطنا في مطار جديد يليق بمصر وبالعصر. وسألت سائق التاكسي؛ المصدر الأول للأخبار والأحوال، ما الذي تغير في الطريق؟ فقال لا شيء، لكنه أكثر نظافة وخضرة، والعشب مسقي على الدوام. ولا حواجز ولا دبابات ولا مشاهد مقلقة. وقال السائق: «كده كويس. لا البهوات بتوع اليسار ولا البشوات بتوع اليمين. الحياة مش عاوزة فلسفة. وربنا خلقنا عشان نعيش». ولم يترك جملته من دون قفلة مصرية: «واللي عاوز يموت يتفضل سريلانكا».
وفي «الأهرام» صباح ذلك اليوم مانشيت بالأحمر العريض على ثمانية أعمدة: «السيسي في الصين يوقّع مع رئيسها اتفاقات بـ15 ملياراً». كل رئيس دخل التاريخ من باب، وهو يريد الدخول من باب التنمية. وفي «الأهرام» أيضاً نبأ يقول إن أكبر سفينة ركاب في العالم عبرت قناة السويس الجديدة ودفعت مليون دولار رسم العبور. تذكرت ما قيل وكُتب يوم أعلن عن شقّها: ما الحاجة إلى قناة جديدة إلا المباهاة؟ لقد سددت الرسوم تكاليفها. وأصبح للسويس قناتان، وهو أمر لا مثيل له في العالم. وعندما أنشأ الشيخ راشد آل مكتوم ميناء جبل علي قيل ما حاجة دبي لمثل هذا الميناء؟ والآن في دبي أكبر هيئة موانئ في العالم، لا يفوق حجم أعمالها إلا الولايات المتحدة. الذي لا رؤية له، لا مستقبل له.
تعودت من أيام الإقامة في لندن أن أداوم على قراءة «رسائل إلى المحرر»، لأنها تعكس هموم الناس واهتماماته وتعبّر عن نبض العموم. وسواء كنت في مصر أو خارجها، أقرأ غالباً «بريد الأهرام». وحديثاً أدمنت على قراءة بريد الأستاذة سحر الجعارة في «المصري اليوم»، إضافة إلى مقالاتها الكاملة الدسم. واليوم في «بريد الأهرام» أيضاً رسالة يشكو صاحبها من أعمال حفر بلا نهاية في الشارع الذي يسكن فيه: ضجيج لا يطاق، وزحمة بلا نهاية، وغبار وفوضى وتحويلات وخناقات... وإلى آخر اللوازم. انتهى؟ لا. بقي اسم الشارع: لبنان!
إلى اللقاء...