مفاجأة كبرى للروس
الضربة الأميركية لسورية وتداعياتها على الأزمة اليمنية
فاجأت الضربة الأميركية التي أمر الرئيس دونالد ترامب بتوجيهها إلى القاعدة العسكرية في وسط سورية التي انطلقت منها الطائرات التي شنت غارات استعملت فيها أسلحة كيماوية في محافظة إدلب وسقط ضحيتها عشرات الأطفال والنساء بين قتلى وجرحى، فاجأت العالم والرأي العام الأميركي.
ولعل المفاجأة الكبرى كانت لدى القيادة الروسية وتحديداً لدى الرئيس فلاديمير بوتين الذي وفق ما ذكره التلفزيون الفرنسي كان يرى في شخصية دونالد ترامب رئيساً عبيطاً وساذجاً، ولذلك جاءت ضربته المفاجئة على سورية لإثبات أن لديه الإرادة والقدرة على أخذ المبادرة من جانب واحد وخارج إطار مجلس الأمن الدولي الذي يشل استخدام الفيتو أعماله.
هذا التوصيف لشخصية ترامب، المنسوب إلى بوتين، والمفاجأة التي أحدثها بضرب سورية، يذكّر بما كان يوصف به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالشخصية الضعيفة نتيجة تهميش مكانته من قبل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أثناء تولي هادي منصب نائب الرئيس. وكانت المفاجأة المؤلمة لصالح والتي لم يكن يتوقعها من نائبه انه أجاد افضل منه الرقص على رؤوس الثعابين في التعامل مع مختلف القوى القبلية والعسكرية اليمنية.
ولعل أخطر القرارات التي اتخذها الرئيس هادي في مواجهة تلك القوى تمثل في طلبه المساعدة من الملك سلمان بن عبدالعزيز لحماية شرعيته الدستورية وإنقاذ اليمن من التدخل الإيراني في شؤونه.
والسؤال المطروح الآن: ما هي التداعيات المحتملة للضربة الأميركية على سورية في حلحلة الانسداد السياسي للأزمة اليمنية التي دخلت الآن عامها الثالث منذ تدخل قوات التحالف العربي في اليمن؟
تمكن الإجابة على هذا التساؤل من عدة زوايا:
الزاوية الأولى تتعلق بمحاربة الولايات المتحدة الإرهاب الدولي ضد «القاعدة» و «داعش». والزاوية الثانية تتعلق بكيفية التعجيل بالحل السياسي الذي بات متعثراً وغياب أفق حل قريب بين أطراف الصراع في اليمن.
بالنسبة إلى الموضوع الأول تقوم الولايات المتحدة فعلاً منذ سنوات بعمليات عسكرية داخل اليمن ضد «القاعدة»، وأخيراً ضد «داعش» أيضاً. واستمرت هذه العمليات مع بداية عهد ترامب بدءاً بهجوم مشاة البحرية الأميركية (المارينز) على محافظة البيضاء في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي مستهدفة مقاتلي ما يسمى «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» واستخدام الطائرات من دون طيار في ضرباتها ضد مقاتلي «القاعدة».
واللافت للنظر بهذا الخصوص والمثير للتساؤلات أن النطاق الجغرافي للضربات الأميركية ينحصر في المناطق الجنوبية من اليمن، وهو ما أراد الرئيس السابق من ورائه تشويه سمعة الحراك الجنوبي، الذي يطالب بفك الارتباط مع اليمن، بإيهام الولايات المتحدة بأن الإرهاب منحصر في الجنوب بعكس الشمال، في حين أن المجتمع الجنوبي تاريخياً لم يكن مجتمعاً حاضناً للتطرف الديني كما هو الحال في المناطق اليمنية الأخرى.
وفي الحرب الحالية ضد الانقلابيين يقوم الحوثيون بتعبئة مقاتليهم ضد الجنوب بحجة أنهم يحاربون «الدواعش» من السنّة على نمط الحرب في العراق، مما يعقّد أكثر المشهد السياسي للأزمة في اليمن بإعطاء الصراع الصبغة الطائفية.
أما بالنسبة إلى الموضوع الثاني، حول إمكان تفعيل إدارة ترامب الحل السياسي للأزمة اليمنية والقيام بدور مختلف ومتميز عن الدور الذي سعت إدارة أوباما للقيام به من خلال مبادرة جون كيري الأخيرة، والتي تمثلت باقتراح تخلي الرئيس هادي عن صلاحياته الدستورية لصالح نائب جديد للرئيس يتم التوافق عليه. فقد كان من الواضح أنه لم يتم التشاور بشأن هذه المبادرة مع هادي ولاقت ترحيباً من الانقلابيين من الحوثيين وجماعة صالح، في حين رفضها الرئيس هادي وتحفظت عنها المملكة العربية السعودية وأعضاء آخرون من التحالف العربي لما تشكله من مخاطر إمكان قيام نائب الرئيس الجديد باستخدام سلطاته الرئاسية لإنهاء تدخل دول التحالف العربي في الأزمة اليمنية.
السؤال المطروح هنا: ماذا يمكن إدارة ترامب تقديمه من مبادرة مختلفة عن مبادرة كيري السابقة؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في دعم الحلول الدبلوماسية مع التلويح بإمكان استخدام الضربات العسكرية لحل الأزمة اليمنية جنباً إلى جنب مع قوات التحالف العربي. فقد رسمت قرارات مجلس الأمن الدولي وعلى رأسها القرار ٢٢١٦ الصادر عام ٢٠١٥ خريطة طريق وآليات لحل الصراع، وفي الوقت ذاته وضعت تلك القرارات اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وحددت العقوبات ضد الأطراف المعرقلة للتسوية السياسية.
في الحالة السورية جاءت الضربة الأميركية بشكل انفرادي وخارج إطار الأمم المتحدة وجرى اتهام واشنطن من قبل حلفاء النظام السوري، وخاصة من قبل روسيا وإيران، بأنها خالفت لسيادة الدولة السورية والقانون الدولي.
فهل ستتمكن الولايات المتحدة في الحالة اليمنية، إذا فشلت الضغوط السياسية والاقتصادية على الانقلابيين لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، القيام بتوجيه ضربات نوعية على معقل الحوثيين في صعدة وفي المناطق الأخرى غير المحررة، وذلك استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، نظراً لامتلاك الحوثيين وحلفائهم أسلحة نوعية وإمكانات متطورة ليست متاحة لدى دول التحالف العربي في اليمن؟
إن الأبعاد الإنسانية الكارثية نتيجة حرب اليمن وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي تشير إلى أنها حصدت آلاف الضحايا من المدنيين والأطفال وتفشت فيها المجاعة على نطاق واسع، تتطلب من القوى العظمى التدخل السريع للعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي.
وفي حال انسداد أفق الحل السياسي العادل والدائم قد يتطلب الأمر اللجوء إلى القوة لتحقيق انفراج في الموقف سواء بتوافق أميركي- روسي وخليجي أو بعمل مشترك أميركي- خليجي. ومن دون ذلك، فإن استقرار المنطقة والأمن والسلم العالميين سيظل مهدداً لسنوات قادمة.