فهد ديباجي يكتب:

الصحوة والغفوة

الصحوة التي عشناها ليست كما أرادتها الدولة ودعمتها، والتي كان هدفها توجيه الناس بأمور دينهم وتبصيرهم بوسطية هذا الدين القويم، فدولتنا في الأصل قامت على الكتاب والسنة، لكن للأسف تم اختطافها وتحويرها عن مسارها لخدمة أجندة خارجية، فالصحوة بمفهومها الصحيح لا تختزل في محاضرات ودورس وأشرطة الإخوان ولا في كتبهم ولا في أناشيد الجماعة.

‏لا شك أن الصحوة ظاهرة اجتماعية وفكرية أحدثت تأثيراً عميقاً في بنية مجتمعنا الفكري، وطرحها الديني المتشدد قضى على التسامح الديني. وأسهم خطابها الفقهي المتشدد في نشر ذهنية التحريم تجاه كل جديد، فقد كنا نسمع النار وليس الجنة في المساجد والمدارس في اليوم ألف مرة. وهذا ما أحدث جموداً فكرياً لدى الكثير وردة فعل معادية ما زالوا يعانون منها حتى اليوم.

أخيراً علينا ألا نسلّم عقولنا وفكرنا ومستقبلنا ومصيرنا لدعاة الصحوة والغفوة، ولا نكون مطية لدعاة جهلة بالواقع وأنهم أو مجرد مطية لأعداء الدين والوطن، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وعلينا أن نتأكد أن كلام البشر يتغير ويبقى كلام الله وحده الذي لا يتغير.
‏الصحوة لم تكن موضة وأجواء عشناها، ولا في قوة وحماس الشباب للدعوة والجهاد في أفغانستان والبوسنة والهرسك وتحرير فلسطين، ولا في تحريم بعض ما أحل الله، ولا في مقاطعة الغرب (الكفار) وتحريم التعامل معهم ومقاطعتهم ولعنهم والدعاء عليهم في المنابر وعلى رؤوس الأشهاد.

‏مختطفو الصحوة دمروا الحياة وقضوا على ازدهار وتقدم المملكة، وأوقفوا التنمية وعجلة التطور، حتى جعل الكثير يرى أن مجرمي مختطفي الصحوة لا يستحقون العفو وجرائمهم لا تسقط بالتقادم، فقد وصلوا إلى حد القتل والتهديد والتعدي على الحريات، ولو استمروا في نهجهم لحدث لنا ما حدث للشعب الإيراني من تخلف وجوع وفقر.

‏لقد اختطفت وانحرفت الصحوة بنا إلى منزلق لم يريد بنا خيراً، بعدما عمل عليها الإخوان بكل دقة واجتهاد وبأجندات خارجية، ليصلوا إلى هدفهم المنشود وهو إسقاط الدولة برمتها.

‏من سنوات والمخطط يحاك تجاه المملكة باستضافة جميع التيارات المعادية للسعودية وشيطنة المملكة، وبدأت بالسيطرة على التعليم وانتشرت في كل مفاصل الدولة، وكانت تريد العودة إلى زمن الخلافة الإسلامية على منهج الإخوان، ثم تنامت وتطورت واقتربت من الكمال مع الثورات العربية وظهور داعش والنصرة.

لقد نجح مختطفو الصحوة بتعاونهم مع الشرق والغرب في تنفيذ أجندتهم الإرهابية تمهيداً لإسقاط هذه الدولة العظيمة المؤمنة المسالمة والمحبة للسلام، وسارت في فلك ملالي طهران وتوجهات أردوغان حتى كادوا أن يصلوا.

‏مختطفو الصحوة أرادوا أن يذهبوا بنا بعيداً وإلى الخلف، وأن نبتعد أكثر عن ركب الحضارة والتطور والنمو والازدهار، وأن تدمر مجتمعنا الوسطي السمح، وأن تحرم علينا حتى شرب القهوة غير العربية وإظهار الفرح والسرور في الأفراح والمناسبات والأعياد، لولا وقوف الدولة وكبار العلماء ومقاومة الشعب لها.

‏مختطفو الصحوة أيدوا الخلافة الداعشية وجماعة النصرة، والحركات الجهادية، والأحزاب السياسية، والحناجر الثورية، وكانوا يستلمون أجوراً شهرية ثابتة وعطيات متفرقة من حكومات معادية ومجاورة حتى يتم شملهم ضمن المشروع، ولم يكونوا إلا رجس من عمل الشيطان، تسللوا إلى قلوب الملايين باسم الإسلام والدين والدعوة وحلقات القرآن واستغلال العواطف.

‏حالياً علينا أن ننبذ التشدد والعنف أثناء الصحوة نتيجة من اختطفها. وعلينا اتخاذ النهج الوسطي في محاسبتها والابتعاد عن التشدد في ذلك، ولا نتعامل معها بأدبيات الصحوة، فهذا جزء غير مقبول يجب أن يستأصل. وما يقوم به البعض من هجوم على الصحوة، أخشى أن يكون ذلك سلوكاً عدوانياً، ليس القصد منه نقد الصحوة بل تسفيه ثوابتنا بمجملها، فما كان يمارسه مختطفو الصحوة في التشدد لا يمثل الدين. كذلك يجب ألا نحاول أن نصنع ثوابت جديدة، فالثوابت واضحة، والدعوة نحو (الغفوة) بالانحطاط والانحلال لم ولن يخدمنا في حياتنا وآخرتنا، ليظهر جيل قادم بعد ذلك يطالب بالصحوة من جديد.

‏هذا ما تسير عليه بلادنا وقيادتنا حاليا حين قالت "لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال"، فهي تسعى إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها.

‏أخيراً علينا ألا نسلّم عقولنا وفكرنا ومستقبلنا ومصيرنا لدعاة الصحوة و الغفوة، ولا نكون مطية لدعاة جهلة بالواقع وأنهم أو مجرد مطية لأعداء الدين والوطن، فالحلال بيّن والحرام بيّن، وعلينا أن نتأكد أن كلام البشر يتغير ويبقى كلام الله وحده الذي لا يتغير.