فهد ديباجي يكتب:
أمن الممرات البحرية من أمن الشعوب
تعتبر الممرات المائية شرايين حياة الإنسانية ورئات من خلالها تتنفس البشرية، وهي قلب العالم النابض، لا سيما المنعطفات التي تمثلها المضائق البحرية التي تعد المواقع الأكثر سهولة للهجوم على البواخر والناقلات والاعتداء على ممتلكاتها، وأي مساس أو عبث بها هو تهديد للملاحة، ويعد صافرة إنذار بالخطر المحدق بالعالم أجمع وليس بمحيطها الإقليمي فقط.
الممرات المائية تمخر بها ناقلات نفط وتغذي احتياج العالم وتدير مصانعه وتبث الحياة فيها لتقدم للبشرية خدمات عظيمة ومنتجات قيمة نفيسة غذائية ودوائية وتجارية، ووسائل نقل ومستلزمات حياتية ليس للبشر غنى عنها أو الاستعاضة بغيرها. ويعد تعطيلها عائقاً وقاطعاً لإمدادات الغذاء وأمن الطاقة، ويمثل نوعاً من الاعتداء على السلامة البشرية، وتهديداً رئيسياً للأمن الدولي. لهذا نجد أن مفهوم الأمن البحري يتضمن عناصر مختلفة، بدءاً من حرية الملاحة إلى القدرة على التصدي للتهديدات التي تشكلها القرصنة، والإرهاب، والاتجار بالمخدرات، والاتجار بالبشر، وانتشار أسلحة الدمار الشامل.. إلخ.
يمثل الأمن البحري أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الأسرة الدولية، ويستدعي توفير الحماية لها الكثير من الجهد، والمزيد من العمل المشترك. ويرتبط بالأمن البحري طيف واسع من القضايا الاقتصادية والاستراتيجية، فضلاً عن تلك المتصلة بالشؤون الإنسانية والسلامة المهنية والعامة، والأمن البيولوجي، وأمور عديدة أخرى. ولك أن تتصور لو تم إغلاق أحد الممرات المائية التي يؤمن عن طريقها الغذاء ماذا سيؤول إليه الوضع في كثير من الشعوب؟
ما تمارسه الحكومة الإيرانية الإرهابية والعدوانية والشيطانية من ابتزاز فاضح وتهديد سافر ولعب بالنار مع الحكومة الأمريكية بلي ذراعها وإثنائها عن عزمها على كبح جماحها الممتد ما هو إلا مغامرة غير محسوبة عواقبها وخيمة على العالم أجمع، ومن شأنها أن تستفز ترامب لشن ضربات خاطفة تشل قوى الجيش الإيراني وتقعده عن الحركة وترغمه على تقديم تنازلات من حكومة الملالي الإيرانية وتدمير كل مقدراته العسكرية وبناه التحتية، وستستفز العالم للمشاركة في الحرب الأمريكية ضد إيران.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تستخدمها إيران في تقديم رسائل غبية والتلويح والتهديد بضرب المضائق والممرات البحرية، فالنظام الإيراني عندما ضاق به الخناق وفقد السيطرة على احتواء الموقف توجه عبر أذرعه نحو تفجير المنشآت النفطية، وهو عمل إرهابي وأسلوب تتبعه إيران وأذنابها ووكلاؤها في المنطقة.
زعزعة استقرار أمن مياه الخليج العربي يحتاج إلى عمل عسكري نظامي، بينما الاستراتيجية الإيرانية لضرب أمن المياه الإقليمية الخليجية ترتكز وتعتمد على أعمال القرصنة الممنهجة. لكنها تصدر بعيداً عن الإطار المؤسسي للوحدات العسكرية الإيرانية لاعتبارات عديدة، رغم أن الحرس الثوري يدير بشكل مباشر تلك العمليات عبر عمليات تكتيكية صغيرة. وحجم هذه العمليات مؤشر تريد منه الإثبات للرأي العام بأن لديها القدرة على المناورة في مضيق هرمز وخليج عمان، وبالتالي المناورة على مد جسور التواصل مع الإدارة الأمريكية لمفاوضات جديدة.
كما تعتقد إيران أنها تستطيع من خلال تحريك خلاياها هنا أو هناك وزعزعة أمن واستقرار الملاحة البحرية وأمن السعودية أنها تقدم رسالة سياسية واقتصادية وأمنية موجه لدول الخليج في حال تطور التصعيد الأمريكي الإيراني في مياه الخليج العربي تفيد بأن البدائل الخليجية للاستيراد والتصدير لن تكون آمنة، كما أنها قادرة من خلال هذه الأعمال أن تعيد صياغة آلية التعامل معها بالاتجاه الذي ترغب به. لكنها لا تعلم أنها جنت على نفسها، وأن ذلك يثبت للعالم أنها دولة ذات سلوك يهدد السلم والأمن الدوليين، وبالتالي حتى من يساندها مجاملة سيضطر للوقوف مع المجتمع الدولي ضد إرهابها. وأن استخدام إيران أخطر الأسلحة في الصراع بإغلاق الممرات المائية سيهز الاقتصاد العالمي والنفط، وسيدفع الدول الكبرى لوضع نهاية لهذا النظام، ويتحتم على الجيش الأمريكي أن يكثف ضرباته المدمرة لردع حكومة الشر الإيرانية عن غيها واستفزازها المستمر للخليج وشعوبه العربية.