طاهر علوان يكتب:
الصحيفة ليست مسؤولة عن المحتوى
يبدو أن رضا الجمهور أصبحت بالفعل غاية لا تدرك.
إشكالية مدى القناعة بالمضمون أو المحتوى تبحث عنه الصحيفة ووسائل الإعلام من أجل أن تطمئن أنها تسير في المسار الصحيح، وأنّ لها جمهورا توفر عنده ما يكفي من قناعة بذلك المحتوى.
لكن الصحيفة وبسبب ما تراكمه من أخبار تجد نفسها في بعض الأحيان مهتمة بجلب نوع من الأخبار تجتذب الجمهور.
وبسبب كثرة تلك الأخبار المثيرة فقد صار لها منتجوها والمروجون لها حتى اختلط الحابل بالنابل.
موضة جديدة صرنا نقرؤها في العناوين الصحافية وخاصة في صحافة الإنترنت، ومنها على سبيل المثال: الرئيس الروسي يعلن أنه سوف يبيع صواريخ أس-400 للدولة الفلانية والسبب…
وخبر آخر: الرئيس الأميركي يُقيل وزير الدفاع والسبب…
وخبر ثالث: إلغاء اجتماع القمة بين الزعيمين والسبب…
هذا النوع من العناوين المبتورة هو مثال للطريقة التي تثبت أن الوسيلة الإعلامية قد أعيتها الحيلة في الوصول إلى عدد معقول من القراء أو الزوار، ولهذا صارت تلجأ للعناوين الصحافية المبتورة ثم تتوجها في آخر الخبر غير الموثوقة مصداقيته بالقول “والصحيفة أو الموقع لا يتحمّل أي مسؤولية عن نشر الخبر”.
أو أن الموقع غير مسؤول عن رأي كاتب المقال أو الموضوع أو نحن غير مسؤولين عن المحتوى وهكذا..
الهروب من المسؤولية عن الخبر يكون قد سبقه هروب آخر، وهو الهروب من مواجهة حقيقة الأخبار المضللة وغير الموثوقة.
على هذا سوف أتساءل كما يتساءل غيري: يا ترى هل انقرضت فصيلة الإعلاميين والصحافيين البارعين الذين بمجرد قراءة الخبر يشمون فيه مباشرة عدم صدقيته أو عدم الوثوق من مضمونه أو عدم رصانة محتواه، هل وصلنا إلى غياب ذلك الرعيل من الصحافيين والإعلاميين أصحاب الفراسة والنظرة الثاقبة للأخبار لننتهي عند العناوين المبتورة والبراءة من محتوى الخبر؟
واقعيا ما تزال هنالك “خميرة” يعتد بها من أولئك الصحافيين والإعلاميين على قلّتهم، لكن سيول الأخبار التي اختلط محتواها وضاعت في وسطها الحقيقة تجعل مهمة أولئك الصحافيين والإعلاميين لا تخلو من مصاعب.
الأمر سينسحب إلى منصات التواصل الاجتماعي التي يعلن القائمون عليها أنهم غير مسؤولين عن المحتوى الذي ينشر في منصاتهم حتى وصلنا إلى النقل الحي والمباشر لعملية قتل أبرياء، كما وقع في جريمة الاعتداء على مسجديْ نيوزيلندا مؤخرا.
التنصل من مسؤولية المحتوى يحمل في طياته شكلا جديدا من الصحافة التي يعلن القائمون عليها أنهم يريدونها صحافة تفاعلية تتيح للقراء المساهمة فيها بموضوعاتهم ومقاطع الفيديو التي يرسلونها، ولكنّها في الوقت نفسه لا تتحمل أي مسؤولية عن المحتوى.
هذا التناقض في وظيفة الصحافة هو الذي أتاح لظاهرة الأخبار المزيفة والكاذبة والمضللة أن تنتعش، وتجد لها سوقا ومستهلكين.
تذكر الباحثة دينيس اورداواي في موقع “جورناليست ريسورس″ أن حوالي ربع الجمهور المستهلك للأخبار في الولايات المتحدة قد استخدم أو شارك في أخبار مضللة أو كاذبة بصرف النظر عن محتواها، ومن بينها تلك الأخبار التي تعلن المواقع صراحة أنها غير مسؤولة عن محتواها أو أنها غير متأكدة من مصادرها.
الحاصل، أن هذا النوع من التنصل من مسؤولية الأخبار والتقارير بما يضعف مصداقيتها لم يكن سببا كافيا للابتعاد عن تلك الأخبار كما يبدو حتى صارت الصحف ووسائل الإعلام التي تتوخى تقاليد العمل المهنية الصحيحة وبما في ذلك توخّي أقصى درجات الصدقية والموضوعية، صارت تسبح في بحر متلاطم الأمواج اختلط فيه الحابل بالنابل، وغيّبت الحقيقة أو كادت مع تنامي ظاهرة العناوين المبتورة والتنصّل من مسؤولية المحتوى وترويج الأخبار المضللة.