طاهر علوان يكتب:
حضر الصحافيون وغاب الرئيس
لطالما أثيرت قضية علاقة الصحف بقرّائها.
ولا شيء يقلق الصحافي والمحرر ورئيس التحرير وطاقمه أكثر من أن تكون صحيفتهم مقروءة وتتصدّر الاهتمام.
الأخبار السارّة قادمة، فمع أزمة تفشي وباء كورونا تشير الاستطلاعات والمتابعات إلى أنّ الشعوب الجالسة في بيوتها صارت أكثر اهتماما ومتابعة للصحف.
والحال هو البحث عن آخر المستجدات، عن تاريخ محتمل لإنهاء الإغلاق والعودة إلى مواقع العمل، عن احتمالات توفّر لقاح ينهي الجائحة، عن إعانات العاطلين والمدينين للبنوك، وغيرها من القضايا.
لكن في المقابل هنالك من لا يروقه كل هذا الاهتمام بالصحافة في زمن كورونا.
إنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي شهدت مدة خمسين يوما من تفشي الوباء في بلاده عقد العديد من المؤتمرات الصحافية اليومية التي قاربت الخمسين مؤتمرا صحافيا كانت مكرّسة للحديث عن إنجازاته وإنجازات حكومته في ظل أزمة الوباء.
ربما لم يسبق لرئيس أميركي ولا غير أميركي أن يعقد هذا الكمّ الكبير من المؤتمرات الصحافية، وربما لم يظهر رئيس بشكل يومي ومتكرّر، وربما لم يُعطِ رئيس ساعتين وأكثر من وقته بشكل يومي لملاقاة الصحافة ووسائل الإعلام.
لكن الأمر ليس كذلك فلم يكد الرئيس يظهر في مؤتمر صحافي إلا وكان له سجال مع صحافي أو منبر إعلامي.
الرئيس يؤرّقه ويزعجه مصطلح التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة، ولم تكد تسلم صحيفة ولا وسيلة إعلام من تلك التهمة.
بل إن الصحافيين في غالبيتهم لا ينقلون الحقيقة وعدائيون من وجهة نظر الرئيس.
نعم زادت متابعة الملايين للصحيفة لكنها لا تنقل الحقيقة، هكذا يقول الرئيس. بل إنه من فرط سخطه تهكم قائلا إن المعقمات يمكن أن تقضي على فايروس كورونا في دقيقة واحدة من خلال حقنة في الجسم.
كان ذلك كافيا لقطع الرئيس علاقته بالصحافة ناعيا المؤتمرات الصحافية ليتلقى حملة صحافية غير مسبوقة.عنوان عريض في واشنطن بوست هو أن للرئيس كتالوج كامل من الأفكار السيئة وليست فكرة المعقّم (البليتش) فحسب.
موقع ذي أتلانتيك أخذ الأمور بجدّية أكثر واضعا عنوانا عريضا في صيغة سؤال للقراء: ماذا لو شربتم المحلول المطهر (بليتش)، ماذا سيحصل؟
صحيفة نيويورك تايمز وضعت صورة كبيرة لأنواع المطهّرات القوية وشديدة السمّية والفعالية وكتبت: لقد كان الرئيس يمارس لعبة مخادعة مع الصحافيين، وقالت إن طوفانا من الاتصالات الهاتفية تدّفقت على إدارات الصحة والطوارئ في عدد من الولايات الأميركية يتساءل المتّصلون حول مضارّ وفوائد أخذ حقنة من المطهّر للقضاء على الفايروس.
الصدمة التي خيّمت على القطاع الطبّي في شرحه مخاطر الموضوع انعكست على الصحافة فرد الرئيس الضربة قائلا “ما هي الفائدة من عقد مؤتمرات صحافية في البيت الأبيض حين يكون كل ما تقوم به وسائل الإعلام هو طرح أسئلة عدائية وترفض لاحقا نقل الوقائع بدقة”.
وتابع “يسجلون في هذه الآونة متابعة قياسية من الجمهور ولا يحصل الشعب الأميركي سوى على أخبار كاذبة”.
ولهذا حضر الصحافيون السبت لكن الرئيس لم ينظر إليهم ولا استمع لأسئلتهم ويبدو أنه سخط منهم وكذلك حضروا في اليوم التالي ولم يحضر الرئيس.
ربما تكون هذه واقعة فريدة واستثنائية في علاقة رئيس دولة مع الصحافة وهي علاقة تكتسب شكل خصومة دائمة عجيبة لا سبيل معها لأي تفهّم أو تصالح فالرئيس يراها صحافة عدائية وتنشر أخبارا كاذبة وليست موضع ثقة والصحافة تراه رئيسا متغطرسا غارقا في النرجسية واستعراض نفسه وفريقه ولا يحتاج من الصحافة سوى إرجاء المديح له وساعتها سوف يرضى عنها.