طاهر علوان يكتب:
الجيل الخامس سيغير وجه الثقافة البشرية
بعد سنوات من الاختبارات والتجارب، بدأ الكثير من الدول في تركيز خدمات الجيل الخامس من أنظمة الاتصالات، لكن هذه التكنولوجيا الجديدة طرحت الكثير من الأسئلة حول مدى آثارها على الإنسان والبيئة، وحتى على الثقافة والحضارة البشرية. وقد اتهمت بأنها سبب في كوارث بيئية آخرها فايروس كورونا المستجد، ما جعل بعض البريطانيين يقدمون على إتلاف أبراج هذه الشبكة وكالوا لها تهما تتعلق بالبيئة والجوسسة وغيرهما.
قبل مدّة قريبة وقبيل انشغال البشرية بتداعيات انتشار فايروس كورونا، كانت البشرية نفسها منشغلة بأمر مقلق آخر ألا وهو بدء العصر الجديد للجيل الخامس.
وكنّا نراقب عبر الشاشات تلك القصص التي هي أقرب إلى الخيال المرتبط بالجيل الخامس والتي تشغل أذهان البشرية وخاصة العلماء وصنّاع القرار. والحاصل أن شعارا انتشر وخلاصته أن ما قبل عصر الجيل الخامس ليس كما بعده.
الجيل الخامس
هنا سوف نراجع قضيتنا وإشكالياتنا وأوضاعنا الإنسانية والسلوكية والثقافية والاجتماعية ما قبل وما بعد الجيل الخامس، وصولا إلى منتجي الخطاب الثقافي على جميع المستويات.
سوف نتساءل عن دور النشر وعن الفضائيات والصحف والمراكز الفكرية والمؤلفين وحقوق الملكية الفكرية لأنها بكل بساطة سوف تكون معرّضة لذلك العصف القادم والمرتبط بثقافة الجيل الخامس.
تلك خلاصة توجز التأسيس السلوكي والاجتماعي والمنجز الحضاري وثقافات الشعوب وهي تتأهب لعاصفة رقمية وتكنولوجية غير مسبوقة. سيكون كل هذا في مسار والذكاء الاصطناعي في مسار آخر.
فبينما الثقافات الشفاهية والمكتوبة ومجتمعات نصفها أو أكثر من الأميين ونصفها أو أكثر ممن هم في سن الشباب وهم من العاطلين، بينما كل هؤلاء يبحثون عن شتات وجودهم يكون عصف الجيل الخامس قد تدخّل بقوة.
ولتأكيد اللامنطقية في ذلك العصف العجيب ظهر باحث أميركي وألقى محاضرة قال فيها إن فايروس كورونا الذي جمّد حركة المجتمعات ما هو إلا من نتائج إطلاق الجيل الخامس.
بل أنه ذهب إلى ما هو أبعد مؤكداً أن مدينة ووهان الصينية معقل الوباء هي أول مدينة في العالم تطلق تقنية الجيل الخامس، وقد ترتّب على ذلك أن النظام الكهرومغناطسي السائد في المدينة وبما في ذلك الإشعاعات المنبعثة من شبكات الاتصال بمستواها المعتاد قد تم تخطّيها بما هو فوق طاقة التوازن الطيفي والكهرومغناطيسي مما أدى إلى رد فعل غير مسيطر عليه تمثّل في ولادة ذلك الفايروس العجيب.
بالطبع لا يقتنع كثيرون بهذا الاستنتاج كما أنه ليس هنالك ما يسنده علمياً لكنّ هنالك خلاصة مهمة يمكن استنتاجها، أن للجيل الخامس تبعاته وتأثيراته.
التأثيرات غير محسوبة بدقة حتى الآن لكن هنالك من يحذّر بشدّة من أن انتشار وحدات الإرسال والاستقبال للطيف الكهرومغناطسي بكثافة في الشوارع والبيوت وبسرعة خارقة سوف يلقي على الفضاء والأفق كميات هائلة من الإشعاعات التي قد لا تكون في نطاق تحمّل البشر وتحمّل المناخ.
والحاصل أننا أمام عالم ثنائي قوامه الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي تكمّله ثقافة إشكالية ما تزال تتشبث بمنطق ولغة وسياق وسلوك وتراكمات تعود إلى قرون خلت.
الواقع الجديد
واقعيّاً سوف نراجع مستوى الاستعداد على النطاق الثقافي لما هو آت من تحول لن تعيقه أزمة وباء كورونا لكنّها قد تؤخّره.
فكيف استعد منتجو الخطاب الثقافي أفراداً ومؤسسات لذلك العالم الجديد؟
واقعيّاً ليس هنالك الكثير مما يمكن الحديث عنه أصلا لفحوى الاستعداد وإنما هنالك تلقّ سلبي كنا قد ألفناه في يوم ظهور التلفزيون ويوم ظهور الكمبيوتر والإنترنت وصولا إلى انتشار الهاتف المحمول.
كل هذه حملت معها اشتراطاتها وتحوّلاتها السلوكية والثقافية لكن التلقّي السلبي والتعامل مع ما يأتي على أنه تحصيل حاصل وموضوع للاستهلاك.
هذا المدخل يناقشه العالِم المستقبلي راي كورزويل مؤكّدا أن أولى ملامح العصر الرقمي وثقافة الجيل الخامس هي فقدان الخصوصية التي سوف تكون متاحة بشكل غير مسبوق.
وسوف تنتظم اهتمامات البشر في شكل جماعات رقمية وتكنولوجية وكأنها أحزاب ولكنّها غارقة في شؤونها. وعلى هذا فسوف يكون لكل جماعة رقمية منتجوها الثقافيون ولن يكون هنالك إنتاج جماعي أو كلي وكل ذلك في ما يتعلق بالفرد نفسه وهو يعيش عزلته المفضلة.
لكنه وهو في صميم تلك العزلة سوف لن يخطئ وجود الحكومة العالمية الجمعية التي ترعى المصالح العليا. في كلا المسارين يشعر الفرد بتضاؤله وبحثه عن حماية وغطاء وخطاب ثقافي يخصّه ويقترب منه.
دور النشر والفضائيات والصحف والمراكز الفكرية والمؤلفون والملكية الفكرية سوف تكون معرّضة لعصف الشبكة الجديدة
وعلى هذا فإن هذه الثقافة المبعثرة والتي تبحث عن نفسها في العصر الرقمي للجيل الخامس سوف لن تجد ذلك الرمز الثقافي المعتاد ولا المرجعيات الثقافية التقليدية.
الجيل الخامس مستعد واقعيّا لتخزين مجمل منجز أجيال ثقافية بأكملها في طرفة عين وعرض كل ذلك في طرفة عين.
وعلى هذا اختصر العصر الرقمي وثقافة الجيل الخامس الكثير من التأويلات أيا كانت ولهذا صار لزاما على منتجي الخطاب أن يبحثوا عن نظرائهم الذين يتفاعلون معهم في إطار ومسار واحد.
في يوم من الأيام، كان هنالك ولع بالخطاب الجماعي وبالتجمّعات البشرية، لكنّها جميعا قد لا تفي بالغرض وليست مجدية بالضرورة ولا بد من أداة أو أدوات أخرى وسلوكيات مختلفة عن السائد. على أننا ووسط هذا المسار والذي أشرنا فيه إلى استعدادات مبكّرة بانتظار سيطرة الجيل الخامس وتغلغله في جميع مفاصل الحياة مع الذكاء الاصطناعي سوف نجد أن كثيرا من أدوات المجتمعات المعاصرة قاصرة ومتلكئة وأن الثقافة التي نتشبّث بها هي بالكاد تحاول أن تتأقلم مع الواقع الجديد.