الحبيب الأسود يكتب:

الحوثيون على خطى طالبان في الاندفاع للانتحار

تواصل ميليشيات الحوثي الهروب من الواقع نحو الإمعان في الانتحار الذاتي، وما محاولاتها استهداف مكة المكرمة إلا دليل على ذلك، وكذلك بالنسبة لحديثها عن ترشيحها 300 هدف في السعودية والإمارات للاستهداف بواسطة الطائرات المسيرة المهربة من إيران، والتي يشرف على إطلاقها خبراء حزب الله اللبناني.

الحوثيون هم اليوم جزء من أدوات نظام الملالي في المنطقة، هذا الأمر بات معروفا لدى الجميع، ومن يدفع الثمن هو الشعب اليمني، الذي قادت الجماعة انقلابا على حكومته الشرعية عندما اجتاحت صنعاء في سبتمبر 2014، واستفادت من حالة الفراغ السياسي لما بعد عاصفة الربيع العربي التي هبت على البلاد، لتبسط نفوذها باعتبارها قوة ثورية إسلاموية تتخذ من ثورة الخميني في إيران المثال الذي تقتدي به.

اتخذت الأسرة الحوثية من شعارات الثورة الإسلامية حصان طروادة للاستحواذ على اليمن، وتقاسم أفرادها السلطات في صنعاء فأصبح عبدالملك الحوثي قائدا للثورة، أو المرشد الأعلى لها، ومحمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا، ورغم عدم اعتراف العالم بالانقلاب سعت الميليشيات لفرض الأمر الواقع، مستفيدة في ذلك من السلبية الدولية في التعامل مع هذه الظاهرة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها.

ما يهم الحوثيين ليس مصلحة الشعب اليمني، وإنما مشروعهم العقائدي الظلامي الذي لا يختلف عن مشروع طالبان في أفغانستان، فالفصيلان “الجبليّان” يتخذان من إدعاء نصرة الإسلام عبر معاداة الغرب وخاصة الولايات المتحدة، شعارا لهما، ويستثمران في كل ما يتنافى مع عقيدة المسلم، من المتاجرة بالدم والسلاح والمخدرات ومعاناة الفقراء والجياع والدفع بالأطفال إلى ساحات القتال.

نشأت حركة الحوثي في صعدة عام 1992 تحت شعار إحياء الإمامة (الخلافة) بينما نشأت طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا محمد عمر بدعوى القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994. وفي سبتمبر 1996 استحوذت الحركة على العاصمة كابل بعد انسحاب القوات الحكومية منها إلى الشمال، وأعدمت ليلة دخولها كابل رئيس أفغانستان الأسبق محمد نجيب الله.

في 19 يناير 2015 هاجم الحوثيون منزل الرئيس عبدربه منصور هادي، وحاصروا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس الوزراء، واقتحموا معسكرات للجيش ومجمع دار الرئاسة، ومعسكرات الصواريخ. وفرضوا على هادي ورئيس الوزراء وأغلب وزراء الحكومة إقامة جبرية، وقاموا بتعيين محافظين، واقتحموا مقرات وسائل الإعلام الحكومية وسخروها لنشر الترويج ودعايات ضد خصومهم، واقتحموا مقرات شركات نفطية وغيروا طاقم الإدارة وعينوا موالين لهم.

كما فرضوا على هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح تقديم استقالتيهما في 22 يناير، ولم يعقد البرلمان جلسة لقبول الاستقالتين أو رفضهما حسب ما ينص عليه الدستور، وأعلن الحوثيون بيانا أسموه “إعلانا دستوريا” في 6 فبراير، وقاموا بإعلان حل البرلمان، وتمكين “اللجنة الثورية” بقيادة محمد علي الحوثي لقيادة البلاد، لكن الرئيس هادي استطاع الفرار من الإقامة الجبرية، واتجه إلى عدن في 21 فبراير، ومنها تراجع عن استقالته في رسالة وجهها للبرلمان، وأعلن أن انقلاب الحوثيين غير شرعي. وشدد على “أن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها”، وهو تاريخ احتلال صنعاء من قبل ميليشيات الحوثيين.

اندفع الحوثيون بكل قوة للانقلاب على الدولة ومؤسساتها وعلى التوازنات السياسية والقبلية والجهوية والمناطقية، ووجدوا الدعم الكامل من إيران والميليشيات المرتبطة بها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله اللبناني، وأدركت دول الخليج العربية وفي مقدمتها السعودية أنها المستهدفة الأولى مما يجري في اليمن، بينما قرر مجلس الأمن الدولي ووزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضد كبار قادة الحوثيين، وأصدر مجلس الأمن القرار 2051 يهدد فيه بعقوبات على من يقوضون المرحلة الانتقالية، واستهدفت العقوبات إلى جانب الحوثيين الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تحالف مع المتمردين ليكون مصيره الاغتيال من قبلهم في الرابع من ديسمبر 2017.

لم تتوقف أطماع الحوثيين ومن يقف وراءهم عند صنعاء بل امتدت إلى كامل البلاد بما فيها عدن، نظرا للأهمية الاستراتيجية للجنوب حيث الساحل والمضيق والعاصمة المؤقتة للسلطات الشرعية، وفي مارس 2015 أطلق التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية عاصفة الحزم استجابة لطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي بسبب هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن.

رفض الحوثيون كل الحلول السياسية وأفشلوا جهود المبعوثين الأمميين، وانقلبوا على نتائج المفاوضات التي جرت في أكثر من عاصمة، ورغم طردهم من أغلب مناطق البلاد، إلا أنهم لا يزالون متشبثين بمشروعهم الظلامي خدمة لشعارات عقائدية أساسها العودة إلى الوراء بإحياء خلافة الإمام أو إمامة الخلافة، وحتى تكتمل صورة مشروعهم اتجهوا للتصعيد المعلن ضد السعودية، الدولة التي اختاروا أن يكون خنجرا فارسيا عنصريا مسموما في ظهرها.

وكما فشلت طالبان في أن تحظى باعتراف دولي، يواجه الحوثيون عزلة عالمية، فمثل هذه الأنظمة القائمة على فكرة التمرد والقادمة من القرون الوسطى، لن يكتب لها في إدارة دولة، لكن الاندفاع الذاتي نحو الانتحار يجعلها تصر على مشروعها خدمة لمن يتزعمها ومن يدعمها من وراء الحدود، ليكون الشعب هو الضحية، وليدفع البسطاء من التابعين الخاضعين للشعارات العقائدية دماءهم وأرواحهم في معارك لا تعد إلا بمزيد الخراب.

في أي وقت، قد يحصل اتفاق إقليمي ودولي على اجتثاث الحوثيين من اليمن، وبدل أن يكونوا جزءا من أي حل سينتهون إلى غير رجعة، مثلما حدث مع طالبان عندما أطيح بحكمها في أواخر 2011، فالعالم لن يستمر في مجاراة التهديدات التي بات يمثلها الحوثيون ضد مصالحه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمن والاستقرار والنفط والعلاقات مع دول التحالف وفي مقدمتها السعودية بما تشكله من وزن على جميع الأصعدة.