سمير عطا الله يكتب:

استقالة التسوية

من أجل إقناع معمر القذافي بالذهاب بعد 42 عاماً من الحكم، كان لا بد من إحراق البلاد. ومن أجل إقناع الرئيس بوتفليقة، المقعد منذ ستة أعوام، بعدم طلب ولاية خامسة، كان لا بد من وضع الجزائر على حافة الانفجار. ومن أجل إقناع البشير بالاكتفاء بثلاثين عاماً، كان لا بد من اعتقاله.
استفاقت تيريزا ماي بعد ثلاث سنوات من رئاسة الحكومة، لأن حزبها وأصدقاءها، قد تخلّوا عنها. وفي خطاب قصير قرأته خارج 10 داونينغ ستريت، قالت للناس إن راعيها السياسي علمها ذات يوم «أن التسوية ليست كلمة قذرة. بل هي أصل الاستمرارية». وفي تسوية بسيطة، خرجت دامعة، تشعر بالأسى، لأنها لم تستطع أن تعلق صورتها إلى جدار التاريخ مثل بعض أسلافها، خصوصاً تلك السيدة التي غيرت معالم بريطانيا وتدعى مارغريت ثاتشر.
للديمقراطية عيوب كثيرة، كما قال تشرشل، أحدها ربما، أن سيدة مثلها قد اضطرت إلى الاستقالة مبكراً، أو أن بريطانيا قد تعيش بعد اليوم في ظل بوريس جونسون، الذي يشكك الكثيرون في قدرته على الزعامة. ولكن هذه الديمقراطية غيرت رئاسة الحكومة في لندن، وفي الفترة نفسها أوصلت إلى الحكم في الهند بائع شاي استطاع أن يشق طريقه إلى الزعامة الشعبية، وينتصر على الإرث العظيم الذي تركه نهرو وغاندي وزعامات حزب «المؤتمر»، بل هو بالعكس، نقيض لنهرو والحكم المدني، الذي رأى أنه الحل الوحيد كمظلة للتنويعات الهندية. فالحاكم الجديد قوي، هندوسي متعصب وكثير الخصوم.
لكن فلنقرأ رسالة السيدة ماي التي قالت إن «البريكست» كان الخيار الذي اقترع الناس من أجله، ولم يكن أمامها من خيار سوى أن تعمل من أجله. إذن، الديمقراطية أوصلت إلى خيبات في بريطانيا، وإلى إحياء المشاعر العصبية في الهند، لكن بالمقارنة مع ما حدث في ليبيا والسودان والجزائر وغيرها من أنظمة الرجل الواحد، والعقل الواحد، والفكر الواحد، لا مجال طبعاً للمفاضلة. وفي أي حال سوف يفتقد العالم المسز ماي ومحاولاتها اليائسة والمحزنة أحياناً، وأناقتها الشبابية وألوانها الفرحة، التي لجأت إليها بعد الوصول إلى داونينغ ستريت. إذ قبل ذلك، لم يكن يبدو الأمر مهماً بالنسبة إليها. وربما بعد ذلك أيضاً.