كرم نعمة يكتب:

الحديث مع النفس ليس مرضا

عندما لا يعرف الأطباء علاجا لداء ما، فأنهم لا يسمونه مرضا! لكن الحديث مع النفس ليس مرضا فعلا. الإنسان يتحدث مع نفسه بدرجات متفاوتة، والمجانين أكثر الأشخاص حديثا مع النفس، أحيانا يفترضون أن ثمة من يقابلهم ويتحدثون على لسانه، كما يردون عليه بلسانهم، وهي طريقة أشبه بمن يلعب الشطرنج مع نفسه، لا تنتهي بفوز، فمن يتغلب على نفسه ليس فائزا.

أننا نتذكر، مثلما نمارس حلم اليقظة كمتعة مستترة عبر الحديث مع النفس، الكتّاب مرضى بشكل حقيقي في الحديث مع أنفسهم من أجل أن تصرفهم الكتابة عن الحلم، كذلك يقول هنري ميشو: ربما كانت الكتابة بديلي عن الحلم ومع ذلك لا أعرف لماذا استمر في هذا الأمر، ربما لأنني غير جدير بكل هذه الأحلام التي تجتاحني في اليقظة قبل الليل، الكتابة نوع من التخلي عن الحلم لصالح الآخر، متذوقاً لذة الوهم الذي يعطيك القدرة على أن تكون ما تريد أو من تريد، فتكون، والكتابة هي بنك الأحلام عند الروائي الأرجنتيني ارنستو ساباتو. ومثل هذا البنك يبقى فارغا من دون أحلام اليقظة التي لا تتحقق إلا بالحديث مع النفس.

اليوم أصبنا بمرض فض لا يمت بصلة لأحلام اليقظة مع أن طبيعته هي الحديث مع النفس عبر الهاتف كفعل يشبه من يكلم نفسه. السلوك الفظ يكمن في التحدث عبر الهاتف بين الآخرين ودون أن نبالي بهم عندما نفصح عن مسائل شخصية. بينما لا يحدث أن يمارس الإنسان حلم اليقظة وهو بين آخرين، لا يتحقق هذا الحلم إلا إذا كان المرء يتفرد بوحدته. وبالنسبة للذكريات الحية، فإن تميز القديم لا يكفي، التجديد مهم أيضا.

لقد وصلنا إلى عصر الحديث مع الكمبيوتر، هذا المعلم الصبور الذي لا يمل ولا يكل من الحديث معنا والإجابة على أعمق أسئلتنا كما لا ينفر من أسئلتنا الركيكة والسخيفة.

الكمبيوتر، إنسان آلي محترم لأنه سويُ ولا ينافقنا، لذلك ينصحنا برايان كريستيان، مؤلف “الإنسان الأكثر إنسانية”، وهو كتاب عن المحادثات بين البشر وأجهزة الكمبيوتر، أن نحصل على المشورة منه، كما نحصل عليها من الشخص الذي لسنا متأكدين من إجابته.

كنا لا نمارس أي مخاطر في الحديث الدائم مع أنفسنا حسب رأي الأطباء، التحدث مع النفس فعل مريح غالبا مثل غناء رجل وحيد في منزله.

أما الحديث مع أجهزتنا الذكية ومع الآخرين عبر الهاتف، فإنه أكثر من مرض لا يستطيع الأطباء التهرب من تصنيفه وإن عجزوا لحد الآن عن إيجاد علاج له.