حازم الشهابي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحكمة.. بين كابوس الأزمة وهاجس الخدمة

إن تتحقق القراءة الواقعية المجردة, لمجريات الأحداث السياسية وما لها  من مخرجات ونتائج؛ مرهون بطبيعة الحال, بالتحرر والانسلاخ من الميول السياسية و الانتماءات  الحزبية, وما يلحقها من متبنيات و إسقاطات فكرية, لتجنب الوقوع في منزلق التخندق والتمحورِ حول فلكِ قراءةٍ ممنهجة تحذو بصاحِبها نحو مجانبةِ الصواب والابتعاد عن الحيادِ, في طرح وتحليل المعطيات السياسية المتوافرة على ارضِ الواقع, بما يتناسب وطبيعة المقدمات وما يتبعها من نتائج واقعية متحققة.

قد يجد البعض إن التنوع الحاصل في طبيعة التحالفات السياسية الأخيرة, حالة صحية تساعد بشكل أو بأخر على نهوض العملية السياسية وتقويم ما لحق بها من اعوجاج وترهل في الدورات السابقة, إلا إن هذا التنوع  بتراكيبه المعقدة وتوجهاته المتناقضة وما افرزه من نتائج على ارض الواقع, ينافي القول بايجابية أثاره الواقعية.. لا نريد إن نكون متشائمين بقدر مانريد النظر إلى الحقيقة كما هي, دون تزويق وتزييف أو مداهنة, فالطاولة المستديرة التي تضم أطراف مكوناتها المتحالفة؛ لم تعد مستديرة بل أصبحت متعرجة!

ما كان ينبغي لتيار الحكمة إن يطمح لإعادة تجربته الناجحة (بشهادة الجميع) في وزارة الشباب والرياضة واستنساخها في الدورة الحالية, والحصول على منفذ أخر, وإدامتها في إحدى المفاصل الخدمية المهمة, وهو محاط بجملة من التعقيدات والملابسات الشائكة, دون إعادة النظر و مراجعة استراتيجياته وقناعاته بالبقاء في تحالف الإصلاح والأعمار من عدمه, كونه – تحالف الإصلاح- لم يعد يحضى بذات الانسجام بين مكوناته كما هو في بادئ الأمر, وخصوصا من الكتل الكبيرة المنضوية بين صفوفه.. نعم, لا نختلف على إن حجوم الكتل السياسية واستحقاقاتها الانتخابية, هو اللاعب الأساس في بلورة المفاوضات واتخاذ القرارات السياسية المهمة داخل التحالف, لما يحضى به من تمثيلا نيابيا يمكنه من إدارة دفة المفاوضات, وفقا لمبادئ الديمقراطية وما أفرزته العملية الانتخابية, لكن بشرطها وشروطها, و أولها؛ ضرورة إن يكون هناك تنسيق عالي المستوى بين جميع أطراف مكونات التحالف الواحد, دون إقصاء أو تهميش أو التفرد بالقرارات وما يلحقها من إجراءات, وما عداها سيكون سالبا بانتفاء الموضوع! لكونه يفتقر للمصداق بكلأ معنييه اللغوي والاصطلاحي, وانعدام تحقق – مفهوم التحالف- إلا في طي المغالطات.

 لا يخفى على المتابع للمشهد السياسي العراقي, حجم التذمر والامتعاض الشديدين, لممثلي الأحزاب والكتل السياسية المنضوية في تحالفي (الإصلاح – والبناء) لما لمسوه من تفردٍ بالمفاوضات واتخاذ القرارات وإبرام الاتفاقيات من قبل كتلتي (الفتح – وسائرون) دون التنسيق مع أطراف مكونات تحلفيهما, مما أدى بالنتيجة إلى تصدع وحدة القرار في التحالفين الرئيسين وقد يجر إلى التشضي في أية لحظة ممكنة, وهي نتيجة حتمية متوقعة وفقا للمعطيات المتوفرة.

 من الأسلم لتيار الحكمة استباق النتائج والانسلاخ بهدوء وروية من تحالف الإصلاح والذهاب نحو المعارضة والاتكاء على سدتها وترصد البرنامج الحكومي, أو الائتلاف مع أطراف أخرى أكثر استقرارا وانسجاما, بما يتوازى والتمثيل العددي للكتل الأخرى, للحد تفرد الآخرين برسم خارطة توزيع المناصب وتمرير إرادتهم, لتجنب المسائلة في حال لم يتمكن من تطبيق برنامجه والالتزام بتعهداته أمام الجمهور, وإلا فمحاصرته وإقصائه قائمة لا محال, وخير دليلا على ذلك هو ما حصل لمحافظ واسط (المنتمي لتيار الحكمة) ومحاولة الإطاحة به قبل بضعة أشهر من قبِل أعضاء مجلسها المنتمين لذات الكتلة التي يأتلف معها تيار الحكمة في تحالف الإصلاح, فضلا عن التجارب السابقة واللاحقة لحلفائه قي بناء دولتهم العميقة على أنقاض تحالف الإصلاح والأعمار ومكوناته وما سبقته من تحالفات..