فاروق يوسف يكتب:

عسكر السودان هم خشبة خلاصه

يبدو أن العسكر في السودان قد قرروا أن لا تقع بلادهم ضحية لربيع عربي متأخر. لذلك فإنهم مارسوا أشد أنواع الانضباط في مواجهة حركات المعارضة التي كانت تحلم، من خلال الاستمرار في المواجهة، بوقوع مجازر ينتقل السودان بعدها إلى المجهول.

عسكر السودان يعرفون أكثر من غيرهم ما الذي تخطط له جبهة الإخوان المسلمين التي تقود من طرف خفي جزءا من الاحتجاجات الشعبية في طورها المتأخر. سيكون من الصعب بالنسبة للغرباء أن يصلوا إلى الأهداف الخفية للطرفين اللذين يعرف أحدهما الآخر بما لا يمكن التنبؤ به.

العسكر من جهة، والإخوان من جهة أخرى، وما بينهما شعب أخشى ما أخشاه أن تنجح الدعايات الممولة من قبل دولة عربية معروفة بعلاقتها بالإخوان في تضليله، وإيهامه بأن الحل يكمن في التحاق ثورته بثورات الربيع العربي والتسليم بأن الصدام هو الحل. حينها ستفلت الأمور من أيدي العسكر وينفتح المشهد على ما هو متوقع في الحالة السودانية من صراعات قبلية ودينية وإثنية.

ستكون النتيجة أن نقف أمام ليبيا أخرى، ما يعني فتح صفحة سوداء جديدة في التاريخ العربي المعاصر. وهو ما صار واضحا من أن الإخوان يسعون في اتجاهه وذلك من أجل فتح جبهة جديدة لتخفيف الضغط عليهم في أماكن أخرى. لقد نجح العسكر في إخفاء انقلابهم على نظام حسن عمر البشير من خلال تغطيته بثورة الشعب من غير اللجوء إلى البيان رقم 1 وإعلان حالة الطوارئ ومنع التجوال وسواها من الإجراءات التي ترافق الانقلابات العسكرية.

كان فعلا حسنا دبّره العسكر بذكاء من أجل إيقاف حالة الانهيار التي كان السودان على وشك الدخول إليها في حال إصرار عمر البشير على الاستمرار في الحكم، واضطراره إلى الدفاع عن خياره الانتحاري.


غير أن ذلك الانقلاب كان مفاجأة غير سارة بالنسبة للمعارضة الإسلامية التي تخطط للوصول إلى الحكم عن طريق امتطاء حالة الغليان والغضب الشعبي، وتوظيفها لهدفها الذي يعني في النهاية تدوير السلطة الإخوانية من خلال انتقالها من الإخوان العسكر إلى الإخوان المدنيين. لا أقول ذلك بناء على استنتاج شخصي قائم على تكهنات غير محسوبة.

الإعلام الإخواني قال أكثر من ذلك. فما بدا واضحا أن التحريض على الاستمرار في الاحتجاجات والعصيان المدني الذي تقوم به وسائل ذلك الإعلام إنما يهدف إلى تكريس وضع، كان العسكر قد انتهوا منه من خلال قبولهم بحكومة شراكة وطنية في المرحلة الانتقالية. وهو إنجاز عظيم، كان من الممكن النظر إليه باعتباره قاعدة للسلام الأهلي لولا أن الإخوان يسعون إلى خداع الشعب من خلال التلويح بحكم مدني لن يرى النور أبدا. فوصولهم إلى السلطة يعني أن الحكم سيكون دينيا.

لقد حاول العسكر وهم ليسوا إخوانيين أن يغضوا الطرف عن تبني تلك الدولة العربية المعروفة بدعمها الدعائي لجماعة الإخوان المسلمين لمسألة الاستمرار في الاحتجاجات الشعبية حرصا منهم على عدم الانفتاح على الخارج بطريقة عدائية. وهو ما لا يمكن أن يكون محل تقدير بالنسبة للإخوان الذين كانوا ولا يزالون ينظرون إلى السودان باعتباره الخزانة الخفية لأحلامهم. ما لا يُعرف من تاريخ الإخوان الإرهابي يمكن العثور عليه هناك.

ما لجأ إليه العسكر من تسويات وكان مفاجئا أجهض المخطط الإخواني، واستعدى الدول التي تقف وراء جماعة الإخوان وتساندهم. لذلك ارتفع منسوب الشائعات التي تسعى إلى تشويه ما يجري في السودان من خلال أخبار ملفقة وصور مفبركة تهدف إلى إظهار العسكر كما لو أنهم ورثة البشير في قمعه للشعب.

كان البشير إخوانيا وليس معارضوه المدعومون من الخارج أقل منه إخوانية. ذلك ما صار المجتمع الدولي على بينة منه وهو ما يدفعه إلى تبني طروحات العسكر باعتبارها برنامج خلاص. سيكون ذلك صادما بالنسبة لمعسكر الربيع العربي الذي صار واضحا أنه معسكر إخواني