فاروق يوسف يكتب:

تونس تتغير بمزاج استوائي

لن يكون الوضع مريحا بالنسبة للسياسيين في تونس في مواجهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. كل شيء يشير إلى أن الرأي العام سينقلب عليهم. فالمزاج الشعبي على قدر هائل من التعكر.

التونسيون غاضبون من الأحزاب التي ركبت على ظهر ثورتهم واستولت على السلطة. ربما سيكون الهدف المبيت اسقاط تلك الأحزاب، بما سيشكل مفاجأة صادمة وغير سارة لحركة النهضة وحزب نداء تونس بالأخص.

غير أن الفروع المنشقة عن الطرفين لن تكون في مأمن.

وهذا يعني أن يوسف الشاهد سيلتحق بالغنوشي والسبسي في عملية تصفية الحساب التي سيمارسها الشعب حين الانتخابات. وهو ما يعني أيضا أن الانتخابات المقبلة ستكون بمثابة مصفاة لن يتمكن من اختراقها رموز السلطة في مرحلة ما بعد الثورة. وهو ما يشبه الحكم بفشل التجربة.

ففي مواجهة الأزمات الاقتصادية التي تتعلق بالأحوال المعيشية السيئة التي يعيشها التونسيون فإن الحملات العقائدية لم تعد كفيلة بجذب الجمهور. هناك فكرة خيرية مضحكة روج لها أحد المتنفذين صار التونسيون يضعونها على طاولة خياراتهم السياسية البديلة وهم يسخرون من حظهم.

لقد بدد الرجل الثري غضبهم وهو يحاول أن يستفيد من مناسبة قلب الطاولة. سيكون المشهد على قدر من التهريج. غير أنه التهريج الذي يقول الحقيقة التي ستقرر فشل الحكومات المتتالية بكل ما حملته من أثقال حزبية.

وكما يبدو فإن سياسيي المرحلة السابقة لم يستوعبوا الدرس الشعبي جيدا. يقف في المقدمة المنصف المرزوقي. الرئيس الذي ورط تونس في مواقف صار يندم عليها رجل الشارع.    

يرى التونسيون في الانتخابات المقبلة حفلتهم التي لن يتخلوا فيها عن حقهم في أن يكون كل شيء من صنعهم. سيكون هناك هامش للتضليل الحزبي. وهو ما ستمارسه حركة النهضة في المدن والبلدات والقرى النائية. وتلك واحدة من المصائب التي لا يمكن تفاديها.  

ليس من المستبعد أن يكون هناك مكر شعبي. لمَ لا؟ لقد صنع التونسيون ثورتهم بطريقة ماكرة. كانت ثورة بيضاء لم يتخللها الدم. ولقد وهبوا السياسيين التقليديين فرصا عديدة للاحتيال من غير أن يجنوا شيئا. وهو ما يفسر انقلابهم الذي لم يحدث فجأة.

ربما لن تنفع الانشقاقات الحزبية في إرضاء المزاج التونسي الغاضب. ذلك لأنها قد تعيدهم إلى معجم إدارة الأزمة بالطريقة التقليدية التي اعتمدتها الأحزاب الأم. ما يبحث عنه التونسيون اليوم لا يمت بصلة إلى إدارة الأزمة من خلال الرغبة في تأجيل مواجهتها بل إلى البحث عن سبل للخروج منها.

لذلك لن يكون للمنشقين حظوظ كبرى في الانتخابات المقبلة.

ما يعتبره عرابو السياسة التونسية التقليديون خطأ في ثقة عبير موسي بالدولة التونسية قد يلقي صدى مريحا لدى الشعب. فموسي التي يحاول الكثيرون تشويه خطابها تثق بالدولة التي أسسها الحبيب بورقيبة وليس برموزها الحاكمة.  

ألا يحق للتونسيين أن يحنوا إلى زمن الدولة المتمكنة من نفسها، القادرة على فرض هيبتها، المتعففة عن الخوض في الصراعات الحزبية التي غالبا ما اتخذت طابعا شخصيا؟

ولأن الشعب التونسي لا يزال يثق بثورته بالرغم من كل ما قيل عن أسرار تلك الثورة وخفاياها وإمكانية أن تكون مجرد انقلاب دُبر من داخل القصر الرئاسي فإنه لا يزال معتصما بحبل إرادته التي هي أساس قوة التغيير.

وقياسا لما شهدته تونس في السنوات الأخيرة من تحولات في ظل مخاض ديمقراطي متعثر فإن التغيير لا يحتاج إلى ثورة ثانية. وهو ما صار التونسيون على دراية به. ذلك ما يعزز ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بأنهم أقوى من السياسيين.     

وكما أرى فإن اسقاط حكومة الغنوشي كان له دور كبير في تعزيز ثقة الشعب بدوره الحاسم في صنع الدولة والتحكم بمصيرها.