فاروق يوسف يكتب:

جنون الربيع العربي

خُصص العقد الثاني من الالفية الثالثة في العالم العربي لحدث فريد من نوعه أطلقت عليه أجهزة الدعاية في الغرب تسمية "الربيع العربي".

كان الهام "ربيع براغ 1968" حاضرا بقوة في ذلك المقترح المختبري.

بعكس ربيع براغ فإن الربيع العربي كان مناسبة لتدخل عسكري غربي اتخذ أشكالا مختلفة. وهو ما يمكن النظر إليه باعتباره تحولا في الاستراتيجية الغربية في المنطقة التي كانت إلى وقت قريب يُنظر فيها إلى إسرائيل باعتبارها مقياسا حراريا.

على سبيل المثال فقد تدخل حلف الناتو في عملية إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا فيما كانت البارجات الحربية الأميركية تراقب عملية اسقاط نظام علي عبدالله صالح في اليمن بروية.

لم يُظهر الغرب انزعاجه من صعود جماعة الاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر غير أنه في المقابل كان مترددا في تصديق ما حدث بعد اسقاط حكم الاخوان. ألم يكن مثيرا للاستفهام ذلك الاستقبال الحافل الذي حظي به محمد مرسي في طهران فيما استقبل الغرب سقوط حكم الاخوان في مصر ببرود؟

وليست الحفلة الدموية السورية بعيدة عن الطابع الاممي الذي اتخذه الصراع في المنطقة كما لو أن كل شيء صار يعيدنا إلى إيام الحرب الصامتة التي كانت تجري بالوكالة بين روسيا والغرب. لقد خُيل للكثيرين أن روسيا سرقت ما كان الغرب يفكر في السيطرة عليه. ذلك استنتاج غير صحيح.

لقد شهدت سوريا تمارين في الإرهاب كانت ضرورية بالنسبة لأجهزة المخابرات الغربية وكان التدخل الروسي ضروريا لفك الاشتباك بين ارهابين. الأول يرعاه الغرب عن طريق دول إقليمية والثاني ترعاه إيران، يتمثل بحزب الله والميليشيات العراقية.  

كانت تونس محظوظة حين تعامل شعبها بليونة مع الخيار الديمقراطي الذي فرض عليه من أجل أن تشق حركة النهضة الاخوانية طريقها بيسر إلى الحكم. لم يكن هناك أي تزوير في الانتخابات. كانت الأصوات حقيقية. لكن ما كان غير حقيقي أن تسقط الدولة المدنية في تونس لذلك لم يعلق الغرب على سقوط حكم النهضة. لقد كان مشهدا غرائبيا أن يتم استقبال العائدين من سوريا في مطار قرطاج فيما الغرب مهموم في الحرب على داعش في العراق.

كان ذلك المشهد جزءا من جنون "الربيع العربي".

ما تبقى من ذلك الجنون يمكن العثور عليه في الانتشار غير المسبوق عالميا للميليشيات المسلحة التي صارت أشبه بالشركات الأمنية المدعومة بالمال والسلاح والتي صار بعضها يتصرف كما لو أنه دولة في سياق انهيار مؤسسات الدولة التي كانت قائمة قبل الزلزال.    

مضت سنوات من غير أن يتحقق شيء من وعد ذلك الربيع. فالشعوب لا تزال تقيم في عزلاتها فيما يتربع حسن نصرالله وأشباهه من قطاع الطرق على المنصات باعتبارهم سادة القول الفصل في ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور.

يمكننا هنا أن نعزف بيسر على وتر المؤامرة الغربية ولكن ذلك العزف لا ينفع الحقيقة في شيء. فالأنظمة السياسية التي سقطت لا يمكن النظر إلى سقوطها بأسف. كما أن الشعوب التي أصابها تاريخ من الحيف والاستخفاف والقمع كانت في حاجة إلى شيء من الاستعراض الذي تستعيد من خلاله شيئا من كرامتها التي هدرت عبر عقود من الزمن.

غير أن كل ذلك لم يساعد على نهوض حقائق جديدة تتمكن الشعوب من خلالها من إعادة بناء حياتها بما ينسجم مع فكرة الربيع. كان ذلك الربيع في واقعه الباب التي انفتحت لدخول الإرهاب إلى العالم العربي بطريقة لم تكن معهودة من قبل بما يشي أن ذلك الربيع كان مناسبة للإعلان عن ولادة عالم عربي جديد هو عبارة عن بؤرة للإرهاب.

وبالرغم من أن الكذبة قد افتضحت فإن الميليشيات لا تزال تقاتل دفاعا عن ربيعها. الحوثيون في اليمن وجماعات في طرابلس الليبية كانت جزءا من تنظيم القاعدة وحزب الله في لبنان وجبهة النصرة في إدلب السورية وغيرها من التنظيمات المسلحة التي تشترك جماعة الاخوان المسلمين وإيران في دعمها وتمويلها وبعث الروح فيها.

لا تزال أمامنا مسافة من الزمن الكئيب إلى أن نصل إلى حقيقة ذلك الربيع الذي يعتبره البعض أكبر خيانة في حياة العرب في العصر الحديث.