الجمعي قاسمي يكتب:
تعديلات قانونية بمعيار فائض القوة
لم تكن التعديلات المُثيرة للجدل التي تم إدخالها على القانون الانتخابي، والتي صادق عليها البرلمان التونسي خلال جلسة عامة صاخبة، عقدها مساء الثلاثاء، مُجرد خطوة إجرائية أملتها المُتغيرات التي تُحيط بالمشهد السياسي التونسي، وما رافقها من قراءات تباينت في رسم أبعادها وتداعياتها على الأحزاب ومختلف الفاعلين السياسيين في البلاد. بل جاءت في سياق مُتصاعد لترميم تموضعات حركة النهضة الإسلامية، ولتمكين بعض القوى الحزبية الجديدة، ومنها حركة تحيا تونس من التموقع في مشهد أصبحت فيه المعادلات السياسية تتغير على قاعدة فائض القوة لدى هذا الطرف أو ذاك، لتكون بذلك المعيار وكذلك أيضا المقياس الذي يُحدد قواعد اللعبة الديمقراطية الناشئة في تونس.
وفتح هذا التطور الخطير، الباب على تجاذبات سياسية، وأخرى قانونية، وثالثة دستورية، لا تتوقف عند حدود المواقف المُعلنة، التي تتالت في تصعيد واضح لا يخلو من التهديد والوعيد، بدأ يُحيط بمُجمل الساحة السياسية، وكذلك أيضا النقابية والشعبية نتيجة الخشية المتزايدة من حالة الاستلاب التي سمحت بتغول حركة النهضة على المشهد السياسي في مرحلة انتخابية فاصلة.
ووصل ذلك التغول إلى حد العودة إلى الإقصاء السياسي للخصوم تحت عناوين مُنمقة، ومساومات مُتنوعة، أخذت في الظاهر، سياقا مغايرا للنمط الذي سارت عليه مختلف ممارسات هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها في المضمون تتلاقى مع سابقاتها.
ويدفع هذا المشهد وما يحمله من دلالات، نحو ترسيخ اليقين بأن التحالف بين حزب رئيس الحكومة الحالية، يوسف الشاهد، وحركة النهضة الإسلامية، ما كان له أن يكون بهذا الوقع، لولا حالة الانقسام والتشرذم التي تعيشها بقية الأحزاب، والحسابات الخاطئة لدى البعض من الفاعلين السياسيين التي سمحت بشكل أو بآخر بتكريس هيمنة النهضة على الوضع العام.
ويُلاحظ أن صدى هذه القراءة بدأ يتردد بشكل واسع في مختلف المنابر الإعلامية، كما بات يُسمع في أروقة الصالونات السياسية على نحو فيه الكثير من الضجيج، الذي يرجع في جزء منه إلى غياب التأثير، وانعدام القدرة على المبادرة، والفعل الميداني بمقاربات جديدة قادرة على تفكيك عناصر الاستكانة لهيمنة حركة النهضة التي تتسلل من خلف مفردات الإحباط التي بدأت تتسع دائرتها.
ومع ارتفاع منسوب اليأس، واستماتة حركة النهضة الإسلامية في فرض معايير هيمنتها على المشهد السياسي، بدأت تتشكل مشاهد مُتباينة، تُملي فرضيات ذات أبعاد أخرى، لن تكون في ساحة واحدة، حيث بدا المشهد يتحرك نحو محاولة إعادة رسم ملامح الواقع وفق حسابات ومعادلات جديدة.
ويتضح ذلك الحراك من خلال الأصوات التي بدأت ترتفع على وقع هذه المُتغيرات، مُنذرة بمواجهة، قريبة قد تتخذ أبعادا تتجاوز الخطوط المرسومة لقواعد الاشتباك المتفق عليها سابقا، وصولا إلى رسم أسس جديدة قد تُطيح بمجل الاستهدافات الكامنة وراء تلك التعديلات التي أصبحت أمام اختبار صعب، قد يحول دون اعتمادها.
ومع ذلك، تتشابك عناصر هذا الاختبار إلى حد جعل مسار التحركات السياسية، يزدحم بالعراقيل، ومحفوفا بالمخاطر باعتبار أن قواعد اللعبة تتغير بسرعة فائقة، ولم تعد قادرة حتى على مواكبة ما يجري، لاسيما في هذا الوقت الذي تبدو فيه الانتخابات بشقيها على الأبواب.