أحمد عمر بن فريد يكتب:

"هل هي لصوصية .. أم أطماع .. أم مرض ؟

يقدم الجنرال العجوز/ علي محسن الأحمر نموذجا صارخا للسلوك الاستعماري اليمني تجاه الجنوب العربي , وهو سلوك شائن يكاد يطغى بشكل كامل على العقلية الزيدية بشكل خاص واليمنية في الشمال بشكل عام , وحتى حينما وصف الأحمر سلوك شقيقه صالح في غمرة الانتشاء بربيع الاخوان المسلمين عام 2011 في صنعاء , بأنه كان سلوكا استعماريا في الجنوب نسي أو تناسى انه كان سنده الأول في ذلك السلوك خلال كل تلك المرحلة التي عناها في تصريحه , ونذكره الآن انه هو حاليا وليس غيره من يمارس هذا النهج عمليا حتى وان كان لا يريد ان يقر بذلك أو لا يشعر به.

من المؤسف جدا أن تجربة طويلة كتلك التي مارست فيها هذه العقلية سلوكها الاستعماري عمليا على ارض الواقع في بلادنا, والتي تمتد منذ يوم 7 / 7 / 1994 حتى بداية عاصفة الحزم 2015, لم تسعف تلك الشخصيات اليمنية ليس لتغيير سلوكها ونظرتها تجاه الجنوب وأهله وانما حتى لإعادة تقييم تلك التجربة المريرة بقليل من الواقعية والعقلانية عطفا على ما انتجته من دمار وكوارث في مفهوم الوحدة من جهة وما تبع ذلك من ردود فعل جنوبية قوية رافضة للوحدة شكلا ومضمونا على جميع المستويات الشعبية وحتى العسكرية حاليا من جهة أخرى.

الغريب في الأمر .. أن هذا الرجل الذي تعرض ل " الاذلال " و " الإهانة " من قبل الحوثيين حينما تم سحق فرقته الأولى مدرع في نصف يوم فقط في صنعاء , وما ترتب على ذلك من هروب مخزي له خارج البلاد , لم تحفزه وتجعله يركز جل جهوده وخبراته وعلاقاته في كيفية " إعادة الاعتبار " لما تبدد من كرامته الاجتماعية وشرفه العسكري , ومن ثم استغلال الفرصة التاريخية التي اتاحتها له المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي , وما وضع تحت تصرفه المطلق من إمكانيات عسكرية ومالية ودعم لوجستي لم يكن ليحلم به , بل ذهب به هوسه وجنونه واحقاده واطماعه تجاه الجنوب بعيدا عن هدف عاصفة الحزم , فدخل بكل جوارحه غير السوية في صراع مستمر غير منقطع مع الجنوب وقواه السياسية الحية , وكأنه لا يزال يعيش ارهاصات حرب 1994 م وليس ما تتطلبه منه عاصفة الحزم من اعمال تتعلق بضرورة دحر المشروع الإيراني من بلاده . 

والمتتبع بدقة لجميع تصرفات هذا الرجل وقراراته بل وحتى مؤامراته التي لا تنتهي , سيصل الى نتيجة حتمية وطبيعية تفيد انها كانت كلها مركزة تجاه الجنوب, وأن عينه تكاد لا تبصر في الخارطة السياسية والعسكرية الا ارض الجنوب وثرواته , وربما أننا لا نبالغ ان قلنا أن الاستنتاج المنطقي لحصيلة اعماله سيقول بأنه ربما فهم أن عاصفة الحزم لم تكن موجه ضد الحوثي ومشروعه ( السلالي – الإيراني ) في بلاده , وانما في كيفية إعادة سيناريو حرب صيف 1994 م بشكل جديد وبطريقة مختلفة وكأنما والرجل أدمن فعليا الحرب ضد الجنوب بمختلف الوسائل والطرق ! 

يبدو واضحا أن جل وقت علي محسن الأحمر قد صرفه منشغلا ب " الجنوب " , وتركزت اغلبية اجتماعاته السرية والعلنية التي عقدها بالجنوب ايضا, و لم تكن جميع الخطط والمؤامرات المدبرة والتي نفذت عمليا وصرف عليها أموال طائلة تتعلق بكيفية الإيقاع بالحوثي وبعثرة صفوفه وتمزيق وحدة قيادته , وانما كانت تتعلق بكيفية تمزيق الوحدة الوطنية الجنوبية عبر وكلاء " رخاص " اشتراهم بماله للأسف الشديد تماما كما فعل مشتركا مع شقيقة المغدور علي عبدالله صالح في 94 م.

نحن لا نبالغ حينما نتحدث عن هذا الرجل بهذه الطريقة , لأننا نستند الى واقع تحليلي يرصد بدقة سلوك شائن غير طبيعي وغير مسؤول ظل يمارسه ولازال يمارسه على الجنوب , بل أنني اجزم انه اذا ما تكشفت تفاصيل ما تحدثت عنه هنا ب" عناوين عامة " سيشكل صدمة كبيرة ليس للجنوبيين الذي يعلمون تماما من هو علي محسن الأحمر وماذا يريد منهم وكيف يحاربهم ولماذا ؟! وانما لدول التحالف العربي ولقياداته السياسية على وجه الخصوص, والتي سينتج عنها بطبيعة الحال السؤال الافتراضي الضرورة من قبلهم له : وهل كانت عاصفة الحزم موجهه لسحق المشروع الإيراني ووكلاءه وخطرهم من اليمن ام من اجل هوسك واطماعك في الجنوب ؟!

قلت في مقدمة المقال ان علي محسن الأحمر يشكل النموذج الصارخ الأبرز , ولم اقل انه " النموذج الوحيد " !! فما هو في الحقيقة الى واحدا منهم , أولئك المهووسون بالجنوب .. هم في حقيقة الأمر جميع " منظومة 7 يوليو " على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم ومهنهم المتدرجة من السياسية والعسكرية الى الدينية والاجتماعية لا نستثني منهم أحدا, وكأنما وهم جميعا يشكلون " فرقة موسيقية " تعزف نغما متجانسا لكنه للأسف الشديد نغما قبيحا لا تنتجه الا الكراهية والبغضاء والعمى في القلوب وقلة البصر والبصيرة , بل هو مرض جماعي ان جاز التعبير لا يتمتع بأدنى درجات الذكاء والنظرة البعيدة الشاملة للمستقبل , ولا يعي ابدا ان ما تم في 1994 م قد ولدته ظروف استثنائية لا يمكن ان تتكرر اليوم على ارضنا مهما قيل , ومهما تفننوا في المؤامرات ومهما قلبوا علينا المواجع ومهما جندوا من بين صفوفنا ممن فضلوا السقوط في براثن اطماعهم الشخصية على حساب أهلهم وناسهم .

أيها الرجل العجوز .. اسمعها مني نصيحه, اختم حياتك بشيء جميل لعله يمحو بعضا من سجلك البغيض في الجنوب , افهم يا هذا أن الجنوب كان دولة عربية مستقلة , وسيعود بحول الله وقوته وبعون الاشقاء دولة عربية مستقلة كما كان .. أفهم هذه الحقيقة وتعامل معها ومع الاحداث منطلقا منها , وحينها يمكن لك ان تنتصر على الحوثي في بلادك وتعود الى صنعاء ببعض من كرامتك المهدورة, وما دون ذلك فلن تحصد معه الى الندم وخيبة الأمل والرجاء .

أحمد عمر بن فريد