أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
سيناريوهات الحرب والسلام في اليمن .. ومصير قضية الجنوب !
يكاد يكون هنالك اجماع كبير لدى مختلف السياسيين والخبراء والمنشغلين بالشأن اليمني حول امكانية حدوث واحدا من أربعة سيناريوهات محتملة يمكن ان تنتهي اليها الأمور في اليمن بشكل عام , ويمكن ان ترجح كفة سيناريو على آخر ويصبح سائدا ,في حال اذا ما توفرت له مجموعة من الشروط الموضوعية ,التي ستجعل حظوظه في البروز مرتفعة جدا خلافا لبقية السيناريوهات الأخرى.
لكن الأكيد في الأمر أن كل سيناريو مرتبط بنتائج الصراع المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط وملفاته الساخنة , والتي يأتي في مقدمتها مستقبل الصراع ( الايراني – الامريكي – الاسرائيلي ) .. وملف الحرب في غزة , وكذلك ملف القضية الفلسطينية ككل , ومستقبل العلاقة السعودية – الايرانية , وامكانية توقيع اتفاقية تاريخية مابين الرياض و واشنطن , اضافة الى ما يمكن ان تنتجه الانتخابات الرئاسية الأمريكية من فوز للحزب الديمقراطي او للجمهوري , وهي في مجموعها " عوامل خارجية " لا نملك نحن في الجنوب أن نؤثر فيها , بقدر ما يمكن ان نجهز انفسنا لكيفية التعامل معها ومواجهة ما يمكن ان تنتجه من تداعيات سلبية او ايجابية على قضيتنا, وفيما يلي سوف نستعرض هذه السيناريوهات الأربعة بشكل سريع , مع امكانية العودة لكل منها لاحقا في مقالات منفصلة تحمل بعض ملامحها ونتائجها بشقيها السلبي والايجابي :
السيناريو الأول : أن يستمر الوضع على ماهو عليه حاليا , فلا حرب ستحسم الوضع عسكريا, ولا سلام مستدام يمكن ان يتحقق مابين أطراف الصراع في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة, ولا ستكون هنالك دولة مكتملة الأركان في الشمال ولا حتى في الجنوب , ولا استقرار اقتصادي يمكن تحقيقه في هكذا ظروف ولا انهيار كبير يمكن حدوثه .. بمعنى أن الوضع العام سيبقى في حالة " تأرجح " كما هو عليه حاليا , ومن المؤسف ان نتائج هذا السيناريو ستكون كارثية على مستوى المعيشة للمواطن البسيط , وعلى مستوى الخدمات التي ستتراجع اكثر مما هي عليه حاليا, ومن المحتمل اذا ما استمر هذا الحال لفترة طويلة ان ينتج مجموعة من " الكانتونات " , التي ستتحكم فيها مراكز قوى , وسوف تتقاسمها سلطات النفوذ الداخلية والاقليمية وحتى الدولية.
السيناريو الثاني : أن تأخذ القوى الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي بزمام الامور , وتبدأ من الآن العمل الجاد على خلق بيئة جنوبية حاضنة للمشروع الوطني الجنوبي المتمثل في استعادة الدولة , وتتمكن هذه القوى من توحيد صفوفها بالصورة المثلى التي تضمن وصول منظومة الوحدة الوطنية الجنوبية الى اعلى مراحل تماسكها , ليكون بعدها الجنوب موحدا وقادرا على مواجهة بقية السيناريوهات المحتملة ومقاومة الخيارات التي من الممكن ان تفرض عليه , فهو من ناحية سيقضي على السيناريو الأول اعلاه من خلال تبني رؤية وطنية شاملة للجنوب ستنقذ شعبه من المعاناة الدائمة, وهو سيملك المقدرة على مواجهة السيناريو الثالث والرابع , كما انه سيتمكن من صياغة وفرض علاقة استراتيجية قوية مع قوى الشمال المنخرطة في الشرعية لمواجهة الحوثيين كخيار لا بديل عنه.
السيناريو الثالث : يتحدث هذا السيناريو عن احتمال نشوب " حرب شاملة " في المنطقة تتدخل فيها بعض الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على أذرع ايران في المنطقة وعلى رأسها " جماعة الحوثيين " خاصة بعد ان " اكتشفت " واشنطن ان مقاربتها لخطورة وجود الحوثيون كانت خاطئة بنسبة 100 % , وهي مقاربة بلغت ذروة حماقتها حينما منعت دول التحالف العربي من دخول الحديدة والسيطرة عليه , باعتباره المنفذ الرئيسي الذي يتنفس منه الحوثيون والذي منه واليه يأتي الدعم الايراني بالسلاح والخبراء والمقاتلين ايضا ! .. ولأن واشنطن اليوم تكتوي بنيران خطأ سياستها , فيمكن ان تقدم على تصحيح هذا الخطأ الجسيم , من خلال عملية عسكرية واسعة ,لكنها ستكون مكلفة ايضا !! ويعتمد هذا السيناريو على نجاح بايدن في الانتخابات وهو احتمال ضعيف جدا, ويمكن ان يأتي بديل ديقراطي له مع امكانية ان يتبنى نهج المواجهة مع الحوثيين وحزب الله . واذا ما تقررت هذه الحرب سيكون الهدف منها هو اجتثاث حركة الحوثيين من جذورها والقضاء عليها تماما , أو تدمير آلتها العسكرية وفرض الحل السلمي عليها وفق المرجعيات الثلاث التي ستفرض ايضا على الجنوبيين , ولن يكون لدينا في الجنوب القدرة على مواجهة هذا السيناريو دون ان نكون قد حققنا مسبقا ما يتطلبه السيناريو الثاني .
السيناريو الرابع : ان يسلم التحالف العربي ملف النزاع في اليمن برمته الى الأمم المتحدة , وان يعقد اتفاق أمني خاص مع الحوثيين , وبالتالي يعتبر ان النزاع في اليمن " شأن يمني " خالص , وأن لا علاقة له به .. وفي هذه الحالة سيطمع الحوثي في دخول مأرب اولا والهيمنة عليها , ثم يمكن ان يتوجه بعد ذلك تباعا نحو بقية محافظات الجنوب ,التي لن تكون قادرة على مواجهته دون ان تكون قد حصنت نفسها دفاعيا بتبني السيناريو الثاني كما اسلفنا.
هذه السيناريوهات الأربعة في مجملها تمثل ما يمكن أن يحدث في اليمن بشكل عام على المدى المتوسط والبعيد , ومن المهم ملاحظة أن ثلاثة منها لا تتفق مع أهدافنا الوطنية كجنوبيين , ويبقى تحقيق السيناريو الثاني الذي يمكن تسميته ب" خيار المواجهة الآمن الوحيد " هو طوق النجاة لنا في الجنوب , مع العلم أن هنالك سيناريوهات لا تخدم حلفاؤنا في الشمال ان صح مصطلح " حلفاء " عطفا على مستوى العلاقة السطحية مع الاخوة في الشرعية اليمنية والتي لم ترتقي حتى اللحظة الى مستوى التحالف الاستراتيجي المدرك لخطورة الوضع الذي يشكله تنامي قوات وقدرات ومكانة جماعة الحوثيين , كما ان السيناريو الرابع لا يصب في مصلحة التحالف العربي – كما يعتقد البعض - ولا حتى الأمن القومي العربي الذي سيواجه " ابتزاز " مستمر من قبل مليشيات الحوثي ان تمكنت من السيطرة على كامل المساحة الجغرافية للجنوب لا سمح الله , حينها يحق لطهران ان تفتخر أنها قد سيطرت على أربعة بلدان عربية واصبحت مجرد أدوات تابعة لها ضد بقية اخوانهم العرب وصالحهم القومية.
أحمد عمر بن فريد