أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
نصائح جورباتشوف للجنوبيين التي لازالت سارية المفعول !
في اعقاب أحداث 13 يناير المشؤمة بعام تقريبا, ذهبت القيادة السياسية الجنوبية المنتصرة عسكريا الى موسكو في زيارة رسمية للحديث مع الحليف الروسي حول عدد من الملفات الهامة , وفي اللقاء الرسمي الذي جمع القيادة الجنوبية مع رئيس دولة الاتحادة السوفيتي حينها / مخائيل جورباتشوف قائد عملية " البريسترويكا " أو اعادة البناء , كانت الآمال والتوقعات والمطالب الجنوبية كبيرة وكثيرة , وكان العشم في الحليف أكبر. لكن اللقاء كان صادما .. وجيزا .. وواضحا جدا , ولم يستمر كثيرا لأن الرئيس جورباتشوف القى بكلامه الثقيل او نصائحه الثمينة على طاولة الحوار أمام القيادة الجنوبية ,ثم مضى في طريقه.
اختصر الرجل حديثه كله في ثلاثة نقاط رئيسية فقط .. وقد مثلت في مجموعها رأيه الشخصي والرسمي ايضا , وهي تعتبر في ذات الوقت اثمن بكثير من كل ما كانت القيادة الجنوبية تتأمل ان تحصل عليه من دعم سياسي أواقتصادي أوعسكري تبعا لقائمة الطلبات الطويلة التي كان يحملها وفدنا الرسمي . في ذلك اللقاء التاريخي قال لهم الرجل ما يلي :
اولا : ان ماحصل من أحدث مؤسفة في 13 يناير 1986 م , يعتبر كارثة وطنية كبيرة لكم ولبلدكم ولشعبكم , وكانت فاتورة ذلك الحدث كبيرة, وقد دفعتم ثمنها جميعا , ولسنا في الاتحاد السوفيتي مع اي طرف من اطراف النزاع , ولم نكن نريد لكم ان تنزلقوا الى ذلك الصراع المسلح بتلك الصورة المفجعة , ولأنكم حلفاء لنا فانني انصحكم ان تعملوا على تصحيح ذلك الخطأ الاستراتيجي القاتل فورا من خلال الحوار الجاد مع اخوانكم , وبما يضمن تحقيق مصالحة وطنية معهم ومع غيرهم من الجنوبيين في الخارج.
ثانيا : انصحكم أن تعملوا من الآن على وضع برنامج " اصلاح سياسي واقتصادي شامل " , لأن الظروف العالمية تغيرت ورياح التغيير هبت ولا يمكن الوقوف امامها , ونحن في الاتحاد السوفيتي قد بدأنا في تنفيذ برنامج " اعادة البناء " الذي اقوده واشرف عليه شخصيا, ولهذا عليكم وضع كل امكانياتكم لهدف وضع برنامج اصلاحي شامل وعلى أن يبدأ تنفيذه في أسرع وقت ممكن.
ثالثا : لا شك بأنكم تدركون أننا الآن في الاتحاد السوفيتي نعيش ظروف اقتصادية صعبة ونواجهها باعتماد برامج تغيير في منظومتنا الاقتصادية , التي تخضع لعملية تقييم شاملة , ولهذا عليكم ان لا تتوقعوا منا اي شكل من اشكال الدعم , وعليكم ان تعتمدوا على انفسكم من الآن وصاعدا .
كانت هذه النقاط الثلاث هي حصلية اللقاء القصير مع السيد جورباتشوف , والتي كما اسلفت كانت صادمة في شكلها ولكنها جوهرية ومفيدة في مضمونة , وقد رواها لي شخصيا أحد الشخصيات الجنوبية التي حضرت ذلك الاجتماع , وكان من المفترض على القيادة الجنوبية حينها ان تدرس تلك النصائح بجدية , وتعمل عليها , ولكنها مع الأسف الشديد ذهبت الى نقضيها تماما , ونتيجة لحسابات خاصة بها رمت بتلك النصائح عرض الحائط , واختارت ان تذهب الى مشروع سياسي آخر وهو مشروع " الوحدة اليمنية " ! وبقية ماحدث نتيجة لهذا الخيار معروفة لدينا جميعا .. حيث انتهى بنا المطاف الى خسارة دولة مستقلة كاملة السيادة, ولسنا هنا بصدد لوم أحد , لأنني اؤمن ان جميع الاطراف الجنوبية حينها أخطأت ليس فقط في أحداث ومسببات 13 يناير ولا حتى في الاستعجال نحو الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية , وانما في عدد كبير من القرارات والمواقف التي انتجت تراكمات قادتنا الى ما نحن عليه الآن من ضياع وتوهان منذ عام 1976م .
ويبقى أهم ما في الأمر .. وهو الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع , هو أن نصائح جروباتشوف لا زالت سارية المفعول , ولازالت صلاحيتها قائمة حتى يومنا هذا , ونتمنى ان نعي كجنوبيين ان وحدة الصف الجنوبي واصلاح الاختلالات في بنيتنا السياسية والاجتماعية يجب يحتل الأولوية الاولى دون باقي القضايا الأخرى , حتى يمكننا بها وحدها مواجهة كافة التحديات القادمة , وما أكثرها .. وبدون ذلك أخشى ان نتبع خيارات خاطئة كما فعلنا في السابق وننتهي الى هلاك مؤكد في هذه المرة, ربما يصعب علينا تلافي نتائجة ابد الدهر.
واشنطن دي سي