الحبيب الأسود يكتب:
ولد الغزواني.. والتحدي الموريتاني
فوز المرشح محمد ولد الغزواني في الشوط الأول للانتخابات الرئاسية في موريتانيا، أكد صلابة النظام الحالي وقدرته على الصمود في وجه محاولات ضربه من الداخل، خصوصا وأن الحملة الانتخابية وما قبلها شهدا الكثير من المؤشرات حول مناورات أطراف محسوبة عليه، وخاصة من الحزب الحاكم الذي ترشح ولد الغزواني مستقلا عنه.
الرئيس محمد ولد عبدالعزيز يحسب له أنه فتح المجال للتداول السلمي على الرئاسة لأول مرة في تاريخ البلاد، أي منذ استقلالها قبل 59 عاما، كما يحسب له أنه راهن على الجواد الرابح الذي سيواصل مسيرته، وسيكون قريبا منه في التخطيط للأولويات المستقبلية، فبين الرجلين علاقة صداقة وزمالة تتجاوز 40 عاما، كما بينهما توافقات حول القضايا والملفات الرئيسية وخاصة في ما يتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية والتوازنات الجهوية والقبلية والعرقية، والعلاقات الإقليمية والدولية.
ولد عبدالعزيز كان واضحا في كلمته مساء الجمعة الماضي، عندما دعا إلى دعم ولد الغزواني وقطع الطريق أمام من وصفهم بدعاة الفتنة، والعاملين على العودة بالبلاد إلى الوراء، في إشارة إلى المرشح محمد ولد بوبكر الذي عمل وزيرا أول في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، والمدعوم من قبل جانب مهم من المعارضة وخاصة من قبل حزب “تواصل” الإخواني، وهو ما يمكن فهمه كذلك من خلال هجوم ولد عبدالعزيز على النظام القطري الذي نعت أفعاله بأنها لا تختلف عن أفعال ألمانيا النازية.
البلاد لا تزال تعيش على وقع مآزق ثقافية موروثة، ولكن المساواة ستكون الحل المجدي في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات
الحقيقة أن أغلب المراقبين كانوا ينتظرون اللجوء إلى شوط ثان بين ولد الغزواني وولد بوبكر، لكن المفاجأة المدوية أن ولد الغزواني فاز بالأغلبية، وأن من حل وراءه مباشرة ليس ولد بوبكر، وإنما بيرام ولد والداه ولد عبيدي المدافع عن حقوق الإنسان في موريتانيا، ورئيس مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق التي اشتهرت في السنوات الأخيرة من خلال مقاومتها للعبودية، وهو كذلك عضو في كثير من المنظمات الداخلية والدولية الناشطة في هذا المجال، وهذا يعني هزيمة مدوية للإسلام السياسي خاصة لحزب الإخوان الذي وضع كل إمكانياته في خدمة ولد بوبكر، وكذلك لعدد من رجال الأعمال المعارضين الذين كانوا يراهنون على اقتلاع جذور حقبة ولد عبدالعزيز.
اختار الشعب الموريتاني من خلال انتخابه ولد الغزواني المحافظة على حالة الاستقرار السياسي، وهذا يدل على وعي بالتحديات التي تواجه بلاده، وكذلك بطبيعة التحولات التي تدور في المنطقة، إلى جانب اعترافه بأن النظام الحالي، رغم كل النقائص، حقق الكثير من المنجزات التي تحسب له مقارنة بما عرفته موريتانيا سابقا، مع تفاؤل بأن تشهد البلاد تطورا مهما في المستقبل، بعد الإعلان عن اكتشافات مهمة في النفط والغاز والمعادن، ودخول البلاد مرحلة استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى الاستقرار السياسي.
الرئيس المنتخب ولد الغزواني سيكون مطالبا بالكثير من العمل، من أجل الحفاظ على الأمن في بلاده وخاصة بالاستمرار في دعم المؤسسة العسكرية التي شهدت انطلاقة فعلية خلال السنوات الماضية، وأصبح لها دور محلي وإقليمي مشهود خاصة في الحرب على الإرهاب، كذلك الأمر بالنسبة للمؤسسة الأمنية التي أظهرت قدرة على تأمين المجتمع من التطرف والجريمة.
الدولة العصرية والقوية هي هدف ولد الغزواني الأول، وقد أكد أنه سيعمل على تكريسها على أرض الواقع من خلال المناخ السياسي الهادئ، والمؤسسات القوية والحفاظ على السيادة الوطنية، واعتماد الدبلوماسية الديناميكية الفعالة، مع إدارة في خدمة المواطن وتعزيز مكافحة الرشوة وسوء التسيير.
الاقتصاد سيكون من أولويات ولد الغزواني، وقد وصفه في برنامجه الانتخابي بالاقتصاد الصامد والمتجه نحو الصعود، وهو اقتصاد منتج ومتنوع لخلق المزيد من فرص العمل والقيمة المضافة، يعتمد على تطوير البنى التحتية الداعمة للنمو وخلق قطاع خاص تنافسي ومحرك للاقتصاد، وتحقيق مبدأ المدن المنتجة، وهذا ما يحتاج إلى جانب اجتماعي عبر القيام بسياسة جادة لامتصاص التفاوت الناجم عن التمييز المجتمعي وتمكين النساء من أجل مشاركة نشطة في العملية التنموية، والاندماج المهني والاجتماعي من أجل المشاركة الكاملة للمعوقين، وتثمين رأس المال البشري لتحقيق التنمية المستدامة.
الرئيس محمد ولد عبدالعزيز يحسب له أنه فتح المجال للتداول السلمي على الرئاسة لأول مرة في تاريخ البلاد، أي منذ استقلالها قبل 59 عاما
كل هذه الأولويات تحتاج إلى توفير نظام تعليم عالي الجودة وصحة جيدة ونوعية وفي متناول الجميع، وتحقيق حق العمل الكريم للجميع مع الالتزام المدني وفتح آفاق واعدة للشباب والتطور والنماء بواسطة الثقافة والرياضة والترفيه.
البرنامج الانتخابي لولد الغزواني يتطلب التفاف مواطنيه حوله، خصوصا وأن البلاد لا تزال تعيش على وقع مآزق ثقافية موروثة، ولكن المساواة ستكون الحل المجدي في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، كما أن ترسيخ ثقافة العمل سيكون المنطلق الحقيقي لبناء المستقبل، فموريتانيا وإن كانت تبدو دولة فقيرة، إلا أنها تمتلك من الثروات ما يعطيها القدرة على تجاوز الفقر إلى الرفاه، وهو ما يحتاج إلى برنامج وطني شامل لاستغلال تلك الثروات ضمن شراكات دولية لا تبدو صعبة المنال في ظل الاستقرار الذي كرسته نتائج الانتخابات. كل هذا يمكن أن يفتح أبواب مستقبل أفضل لموريتانيا، ويبدو أن الرئيس الجديد يمتلك الكثير من الفرص ليدخل البلاد عهد النماء الاقتصادي، بعد أن نجح سلفه في توفير الأمن والاستقرار السياسي.