فاروق يوسف يكتب:
من أجل أن تطوى صفحة فلسطين
سوف لن يكون من العدل أن تُحال أوراق القضية الفلسطينية إلى فقهاء اقتصاديين لا يعرفون شيئا عن العذاب الفلسطيني وليسوا على استعداد لفهم شيء عنه. إنه نوع من السخرية والضحك على العقول.
لو كانت المعونات المالية كفيلة بوضع حد للمأساة الفلسطينية لما احتجنا إلى مؤتمرات دولية من نوع "ورشة السلام من أجل الازدهار" التي تقام في البحرين. في إمكان المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة أن تقوما بالمهمة بيسر من غير استشارة الولايات المتحدة.
في التركيز على البعد الاقتصادي الكثير من التبسيط. وهو تبسيط ينطوي على الكثير من الإهانة للشعب الفلسطيني أولا وللشعوب العربية بشكل عام.
فالعرب كما أشرت في إمكانهم أن يحلوا مشكلاتهم الاقتصادية بأنفسهم.
كما أن المسألة لا تتعلق بمتر لنا ومتر لهم.
هناك شعب مشرد منذ سبعين سنة، ضمنت له القرارات الدولية أن يقيم دولته على جزء من أرضه التاريخية هو محروم من القيام بذلك بسبب سياسات الاستيطان الإسرائيلية القائمة على عدم الاعتراف بحق العودة.
تلك حقيقة ينبغي النظر إليها قبل التصرف بطيش من أجل اغواء الدول المستضيفة للاجئين الفلسطينيين بالقيام بتوطينهم لقاء هبات وقروض مالية تافهة بمكنها أن تكشف عن المستوى الوضيع الذي وصلت إليه الولايات المتحدة في تعاملها مع العالم العربي.
صار واضحا أن المطلوب طي صفحة القضية الفلسطينية مقابل لا شيء.
بالنسبة للأميركان فإن إسرائيل هي الحقيقة الوحيدة في المنطقة. ذلك ما لا يجب أن يناقشهم فيه أحد. إنهم أحرار في ما يجدونه مناسبا لهم.
غير أن الامر بالنسبة للعرب يجب أن يكون مرتبطا بما يراه الفلسطينيون مناسبا لهم. ذلك فهم يضع الأمور في نصابها. والفلسطينيون ليست لهم مطالب تعجيزية. صاروا منذ عقود عمليين وهو ما دفعهم إلى تقديم تنازلات كثيرة بحيث ألغت منظمة التحرير الفلسطينية فقرات من دستورها ليبدو القبول بحل الدولتين ممكنا.
ولأن الفلسطينيين اليوم لا يملكون أن يقدموا مزيدا من التنازلات فإن الرؤية العربية للقضية الفلسطينية باتت قريبة من الحافات. ففي كل الأحوال لا يمكنك أن تطوي الملف الفلسطيني من غير أن تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس.
لذلك لن تبدو الولايات المتحدة محايدة وهي التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل. تلك مشكلة أميركية ليست ملزمة لأحد. غير أن التفكير في حل اقتصادي في ظل تلك المشكلة الأميركية هو ما يدعو إلى السخرية المستفهمة. ففلسطين لن تكون قائمة من غير القدس.
فكر ترامب برمزية اورشليم بالنسبة لليهود واستبعد في المقابل رمزيتها الإسلامية. ذلك ما يمكن أن نتفهمه أخذين في نظر الاعتبار التأييد الأميركي المطلق لإسرائيل. غير أن القدس في عالم الخرائط السياسية هي عاصمة فلسطين وذلك ما أكدته القرارات الدولية.
هناك حقوق تاريخية للفلسطينيين ومنها حق العودة لا يمكن التخلي عنها في ظل أسوأ وأقسى الظروف. ولقد كان تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر غاصا بالمآسي غير أن ذلك لم يشق طريقه إلى الثوابت الوطنية الفلسطينية التي كان التلاعب بها غير مرخص به لأية جهة، فلسطينية كانت أم عربية أم عالمية. فليست هي ثوابت من أجل بقاء شعب حسب بل وأيضا من أجل أن يواجه المجتمع الدولي مسؤوليته عن الكرامة الإنسانية في حدودها الدنيا.
ما لا يفهمه ترامب أن الفلسطينيين حين يتمسكون بحقوقهم فإنهم يضعون العدالة في مكان محترم ولا يرغبون أن تكون موضع مساءلة. وفي ذلك البعد الإنساني يُظهر الفلسطينيون مدى قدرتهم على تحويل شظف حياتهم إلى عنصر إيجابي خلاق يتمكنون من خلاله من تعليم البشرية درسا في الأخلاق السامية.
اما التعامل مع قضيتهم باعتبارها دفتر شيكات فإنه ينطوي على الكثير من الجهل. وهو ما يمكن توقعه. فالرئيس الأميركي وصهره لم يستشيرا كما يبدو أحدا يفهم. وهما إن توقعا فشلا فهو فشل يتعلق بالأرقام.
ستكون ورشة البحرين نافعة. من خلالها سيفهم العالم القوي أن طي صفحة فلسطين لن يكون ممكنا إلا إذا شقت دولة فلسطين وعاصمتها القدس طريقها إلى الحياة.