الحبيب الأسود يكتب:
قطر وإدارة اللعبة الانتخابية في تونس
ما يدور هذه الأيام في حزب حركة نداء تونس، يشير إلى تحالفات مستقبلية يجري الإعداد لها منذ فترة، تقوم قطر بدور رئيسي فيها لتشكيل خارطة الحكم في البلاد لما بعد انتخابات 2019.
فالحزب الذي فاز في انتخابات 2014 ثم عرف بعد ذلك تصدعات وتشققات انطلقت بقرار الرئيس الباجي قائد السبسي التخلص ممن تطلق عليهم حليفته حركة النهضة اسم الاستئصاليين وأعداء التوافق، لفتح الطريق أمام نجله حافظ حتى يرث امتياز الحركة، ويحافظ على مصالح الشق المهادن للإسلاميين، هو ذاته الحزب الذي انقسم على نفسه بعد مؤتمره الانتخابي في أبريل الماضي، ليكتشف أخيرا أن طوق النجاة يمكن أن يأتي من قطر، وهو ما تأكد بالفعل، عندما تم إسناد أمانته العامة لواحد من أبرز المقربين من الديوان الأميري في الدوحة ومن الشيخ تميم شخصيا.
وعندما تتحدث بعض المصادر عن زيارات ماراثونية أداها الأَخَوان حافظ وخليل قائد السبسي إلى قطر مؤخرا، ولقاءات مهمة جمعتهما بصانعي القرار في الدوحة، يمكن التأكد من طبيعة ما يتم الإعداد له في الكواليس، استعدادا للانتخابات المرتقبة بشقيها البرلماني والرئاسي، والتي تكتسي أهمية قصوى لأطراف إقليمية ودولية منها دولة قطر المراهنة بقوة على وصول حلفائها في البلاد إلى الرئاسات الثلاث.
المراهنة على الدور القطري بالنسبة لنجلي قائد السبسي هي مراهنة على كسب ود حركة النهضة التي تعتبر حاليا اللاعب الرئيسي في السلطة وفي عموم المشهد السياسي، نظرا لطبيعة بنائها العقائدي وانضباطها الحزبي ونجاحها في إدارة خيوط اللعبة، حتى أنها تحولت إلى غطاء يحاول الجميع أن يستظل به مع اقتراب المواعيد الانتخابية.
عندما يتم الإعلان عن تعيين صديق الدوحة علي الحفصي أمينا عاما لحركة نداء تونس، قبل أيام من الزيارة التي سيؤديها رئيس الحكومة وزعيم حركة “تحيا تونس” يوسف الشاهد إلى قطر، نقترب من إدراك ما يجري التخطيط له من تحالف على مستوى الرئاسيات بين الحركات الثلاث “تحيا تونس” و”نداء تونس” و”النهضة”، بات من الواضح أنه سيأتي إلى قصر قرطاج برئيس سيكون في الغالب من حركة النهضة بما يمثله ذلك من رمزية بالنسبة للإسلام السياسي لا في تونس فقط، بل في كل المنطقة العربية.
زيارة الشاهد إلى قطر لن تكون زيارة عادية لعقد اتفاقيات ثنائية بين البلدين، أو للبحث في سبل تطوير العلاقات كما يقال عادة، إنما ستكون فرصة لاستقراء الوضع السياسي الحالي وآفاق التحولات القادمة، خصوصا وأن الدوحة تمتلك عددا من خيوط اللعبة المحلية، كما لها اهتمام بما يدور في المنطقة في ظل معركة طرابلس التي تستهدف حلفاءها من قيادات وميليشيات، وفي ظل الغموض الذي يميز المشهد الجزائري، وهزيمة الإسلام السياسي في موريتانيا.
خلال الأيام الماضية أعلنت النهضة أنها ستخوض الرئاسيات، وظهر زعيمها راشد الغنوشي في صورة المرشح الأبرز بخطاب انتخابي مكتمل الملامح، وقال عدد من قياديي الحركة إن الغنوشي هو مرشحهم الطبيعي للتنافس على رئاسة الجمهورية، وإذا علمنا أن الغنوشي لن يكون رئيسا للحركة بعد المؤتمر القادم المنتظر تنظيمه عام 2020، فإنه من الأفضل له أن يخوض معركته الأخيرة لحكم تونس وهو ما لن يتحقق إلا بتحالف واسع مع النداء الذي فاز في انتخابات 2014، وحزب “تحيا تونس” الذي يطمح إلى أن يحقق نتائج مهمة في انتخابات 2019، في حين يتلقى يوسف الشاهد وعودا بأن يحافظ على منصب رئيس الحكومة، وقد يتم الدفع بحافظ قائد السبسي إلى رئاسة البرلمان، وكل هذا لا يتم إلا بتوافقات بين الأطراف الثلاثة، وبتجاوز الخلافات السابقة وخاصة بين حافظ والشاهد.
بادرت حكومة الشاهد بإبداء حسن النوايا عندما اعترفت الأسبوع الماضي بحافظ قائد السبسي كصاحب امتياز وممثل قانوني لحركة نداء تونس بعد الصراع بين شقي الحركة، ليصبح الرجل القوي داخل الحزب، وسيرد الرئيس الباجي قائد السبسي الجميل ويكون عند حسن ظن الشاهد والغنوشي فيصادق على التعديلات الجديدة في القانون الانتخابي والتي ستقصي منافسين جديين وفق نوايا التصويت من الترشح، كما سيكون لنجله خليل الذي ظهر مؤخرا في الصورة كمحل ثقة من الجانب القطري، وكعراب للأمين العام الجديد للنداء علي الحفصي، دور مهم في صياغة الترتيبات الجديدة، رغم أنه لم يعرف عنه أي ميل للعمل السياسي.
حركة النهضة ستستفيد من خلال إعادة تدوير نداء تونس للضغط على الشاهد الذي لم يعد قادرا على الخروج من قفص الوعود الذي وضعته فيه، فالحركة لا تريد للرجل أن يتغول رغم أن استطلاعات الرأي لا تعطيه ما يطمح إليه من نتائج مهمة، حتى إمكانية فشل “تحيا تونس” لها حسابها الذي تحسبه النهضة، لأن البديل في هذه الحالة سيكون تحالفا بين طرفين متواضعي النتائج، أي النداء وتحيا تونس اللذين قد يمثلان مجتمعين قوة قد تساعدها على الحصول على الأغلبية البرلمانية.
النهضة تحاول أن تجمع من يقدمون أنفسهم على أنهم بورقيبيون وورثة الدولة الوطنية في سلة التحالف معها، لقطع الطريق أمام قوة صاعدة تتمثل في الحزب الدستوري الحر، وهي تستفيد في ذلك من إدراكها أن هناك صراعا على الحكم يغطي على جميع التباينات الفكرية والعقائدية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فحزب تحيا تونس الذي تشكل من نواب برلمانيين كانوا رافضين لتحالف قائد السبسي مع الإسلاميين، هو الذي يحمل اليوم على عاتقه مهمة التبشير بديمقراطية ومدنية النهضة، والرئيس الباجي الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن قطع حبل الود مع الإسلاميين، هو الذي بات اليوم يوصي الغنوشي خيرا ببقايا حزبه وأسرته.
أما بالنسبة للأمين العام لنداء تونس علي الحفصي الذي سيتم التركيز عليه إعلاميا خلال الفترة القادمة، فسيقدم باعتباره نموذجا مبتكرا لرموز النظام السابق المقربين من الدوحة، فالرجل كان في عهد زين العابدين بن علي وجها رياضيا من الطراز الأول باعتباره رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم وتم عزله بعد 2011، لكن علاقته بالفاعلين في السياسة القطرية توطدت أكثر، فأقنعهم بتحويل محافظة توزر جنوب غرب البلاد والتي ينتمي إليها إلى مثال للتعاون بين الطرفين سواء من خلال الاستثمار أو من خلال المساعدات العينية والمادية للبلديات والجمعيات والمؤسسات الرياضية والشبابية والثقافية وغيرها.
الخلاصة أن قطر هي التي تعمل الآن على إدارة المرحلة القادمة، ولن تألو جهدا على تحقيق التوافق الذي تراه مناسبا لها، بين النهضة باعتبارها حليفتها الاستراتيجية، وحزب تحيا تونس باعتباره حليف النهضة التكتيكي على الأقل خلال الانتخابات القادمة، ونداء تونس باعتباره ورشة المساعدة على رتق أيّ ثقوب قد يواجهها جلباب السياسة التونسية لاحقا.