الحبيب الأسود يكتب:
تفجيرا تونس الإرهابيان.. أي تأثير على الحدث الانتخابي
التفجيران الانتحاريان اللذان شهدتهما العاصمة التونسية أمس، أعادا بقوة الحديث عن الإرهاب الذي يستهدف البلاد، والذي تتباهى الجهات الأمنية والسياسية بأنها نجحت في القضاء عليه، وبأنها دخلت مرحلة جني استعادة الأمن والاستقرار، وخاصة في المجال السياسي الذي انطلق موسمه بأمل في أن يتجاوز كل المواسم السابقة في عدد السياح القادمين من الخارج للاستمتاع بالشمس والبحر والهدوء في المنتجعات التونسية.
أول ما يمكن ملاحظته في تفجيري الخميس أنهما لا يختلفان في بدائيتهما عن التفجير الذي نفذته منى قبلة، الفتاة ابنة الثلاثين عاما، يوم 29 أكتوبر الماضي، مستهدفة تجمعا للأمنيين في شارع الحبيب بورقيبة، وقيل آنذاك إنها تنتمي إلى فئة الذئاب المنفردة دون متابعة لهوية الأطراف التي يمكن أن تكون قد وقفت وراءها استقطابا وإعدادا وتجهيزا ثم تنفيذا، خصوصا وأنه تبين أنها لم تكن مصنفة لدى الجهات الأمنية كناشطة إرهابية.
ما يثير الكثير من الأسئلة أن تفجيري الخميس يتزامنان مع الحديث عن رغبة بعض الأطراف في تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظرة خلال الثلاثي الأخير من هذا العام، وهو ما بات مثارا للجدل على أكثر من صعيد، بين جهات يقال إنها تدفع نحو القرار سرا وأخرى ترفضه علنا، ليصبح السؤال الرئيس: هل تستطيع تونس تأمين الانتخابات في ظل هذه الظروف؟
وزيرا الدفاع والداخلية التونسيان أكدا في أكثر من مناسبة أن البلاد آمنة، وأن الأجهزة الأمنية والعسكرية نجحت في فرض الاستقرار، لكنهما لا ينفيان أن هناك تهديدات لا تزال تطل برأسها ويجب الاحتياط منها، وهي تهديدات يمكن إعادتها إلى انتشار ظاهرة التطرف غير المعلن الذي يتحرك في أحيان كثيرة تحت غطاء النشاط السياسي والجمعياتي، والذي لا يمكن ملاحقته بعد أن أصبح له مدافعون شرسون يفرضون عدم المساس به إلى حين أن يتحول إلى أحزمة ناسفة، وكذلك إلى عودة مقاتلين سابقين في بؤر التوتر، والحديث في أحيان عدة عن تسلل البعض منهم إلى داخل البلاد، خاصة عبر الحدود مع ليبيا.
غير أن ما يمكن ملاحظته أن تفجيري الخميس يفتقدان إلى “الحرفية” التي يمكن أن تشير إلى وجود قوى إرهابية كبرى وراءهما، ما يرجح أن يكونا بهدف توجيه رسائل سياسية بالأساس في الذكرى الرابعة للهجوم على المنتجع السياحي بمدينة سوسة الساحلية والذي أدى آنذاك إلى مقتل 40 سائحا أغلبهم من الجنسية البريطانية.
التفجير الأول الذي شهدته تونس الخميس، كان قريبا من السفارة الفرنسية، وقد استهدف دورية للشرطة البلدية، بينما استهدف الثاني موقف السيارات بمقر وحدة مكافحة الإرهاب، وفي الحالتين هناك رسالة أريد لها أن تصل وهي بث الرعب في النفوس، والعودة إلى الحديث عن الإرهاب كخطر محدق، ما سيؤدي آليا إلى تمديد فترة الطوارئ إلى ما لا يقل عن ستة أشهر أخرى، وما سيمثل مبررا إضافيا لدعاة تأجيل الانتخابات.
أخطر ما تشهده تونس منذ فترة هو حديث ساستها، بمن فيهم كبار المسؤولين الحكوميين، عن وجود مخططات لإسقاط الدولة والتلاعب بسيادتها وضربها من الداخل، بالتعاون من قوى داخلية وخارجية، ولا يتردد أنصار الحكومة في الحديث عن استهدافها، حتى من إسرائيل ذاتها، كما لم يعد خافيا أن البلاد تواجه صراع إرادات وتجاذبات سياسية، مع ارتفاع أصوات لا تمانع في تبرير الإرهاب والدفاع عنه، سواء في الداخل أو على مستوى الإقليم المضطرب، إضافة إلى اتساع رقعة الخطاب الإقصائي باسم الدين، والذي تعتقد بعض الأطراف الإسلامية أو المتحالفة معها أنها ستستفيد منه في حالة احتياجها إليه، وهو خطاب يجد صداه في المساجد ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتستظل به بعض الجمعيات الخيرية الممولة من الخارج.
وليس جديدا أن بعض القوى الناشطة سياسيا وجمعياتيا باتت تعتقد أنها أقوى من الدولة، وهو ما يعني تغلغلها في المجتمع إلى الحد الذي يمكنها من تحريك أدواتها عند اللزوم، خصوصا عندما يتم الحديث عن تنظيم سري لحركة النهضة وعرض أدلة عنه، دون أن تتحرك أية جهة سيادية للتحقيق الجدي بخصوصه ما عدا بعض الإشارات الصادرة عن مجلس الأمن القومي، دون أن يكون لها صدى على أرض الواقع.
فمن الذي حرك الإرهابيين المنفردين الخميس في قلب العاصمة؟ ولماذا الآن؟ هناك مجريات كثيرة للأحداث في بلد لا تزال تعصف به رياح الأزمات، لكن قد يكون ملف تأجيل الانتخابات على رأس تلك المجريات، وهو ما يدفع بالكثير من التحذير إلى أن تشهد تونس أعمالا أخرى قد تكون أكثر شراسة مما حصل بالأمس.