عماد الدين أديب يكتب:

ما يعرفه المرشد الإيراني ويتجاهله

ما الذي يدركه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية جيداً ويفهمه تماماً، لكن لا يتحدث عنه ولا يتصرف على أساسه؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نؤكد أن الخلاف الشديد مع السياسة الإيرانية يجب ألا يجعلنا نقلل من شأن «وعي أو كفاءة أو مدى قدرة» من نعاديه أو من يناصبنا العداء.

لذلك نقول إن من السهل على البعض تسطيح تحليل موقف القيادة الإيرانية، واتهامها بكل الصفات الشريرة، وأخطرها عدم الفهم لحقائق الأمور.

أخطر ما يدركه المرشد الأعلى هو تلك الحقيقة المؤلمة الضاغطة عليه الآن، وهى أن قرار مقاطعة إيران ووضع الحرس الثوري كمنظمة إرهابية لا يمكن لأي رئيس أمريكي -سوى ترامب- أن يجرؤ على اتخاذه.

أستطيع أن أقول جازماً إنهم في طهران يفهمون الحقيقة، لكنهم لا يتصرفون على أساسها، وإنما على أساس «موروث فكرى غيبي مذهبي يرفع شعارات سياسية براقة».

إنهم في طهران يعرفون، ولكن لا يفعلون الصواب، تلك هي الأزمة، وتلك هي المسألة الخطيرة التي تؤدى إلى خلل متعمد في الإدراك السياسي، سوف يؤدى، بالضرورة، إلى خطأ وخلل في النتائج التي يمكن أن تعرّض المنطقة والعالم إلى كارثة كبرى.

لماذا أقول إن المرشد علي خامنئي يدرك حقائق الأمور، لكنه يسكت عنها، ويتصرف بعيداً عن تفاصيلها؟

علي خامنئي يدرك جيداً خطر تهديد الملاحة في الخليج ومحاولة ابتزاز العالم بإغلاق مضيق هرمز.

يدرك الرجل ذلك جيداً لأنه كان من أصحاب القرار في مسألة تلغيم الخليج وتهديد الناقلات في المنطقة وآثار ذلك عسكرياً واقتصادياً وتجارياً حينما كان رئيساً للجمهورية الإيرانية في الفترة من أكتوبر 1981 حتى أغسطس 1989، وهو من الخبرة إلى درجة أن اختارته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية رجل عام 2012.

ويدرك الرجل أهمية دور الحرس الثوري في المعادلة السياسية الداخلية وفي تركيبة النظام العضوية داخل إيران، لأنه كان مجنداً في الحرس الثوري وحارب ضد العراق في حرب الخليج الأولى.

ويدرك الرجل أهمية دوره العقيدي والمذهبي والمرجعي والسياسي والدستوري في دعم النظام وفكر تصدير الثورة في الخارج لأن الدستور الإيراني يقول في مادته الخامسة إن المرشد هو نائب الإمام في زمن الغيبة، حسب مذهب الشيعة الاثني عشرية، لذلك يجب أن تكون السلطة في يد الولي الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه الشجاع الكفء في الإدارة والتدبير.. (منقول حسب المادتين الخامسة والمئة وسبعة بالنص).

لذلك كله نقول: «قل ما شئت عن المرشد الأعلى في إيران»، لكن إياك أن تقع في خطأ التحليل أنه لا يعرف الحقيقة المجردة في قواعد الصراع الحالي مع الأمريكيين والمنطقة.

هنا آتى إلى السؤال الذي طرحته في بداية المقال وهو: ما الذي يدركه الرجل ولا يتحدث عنه؟

أخطر ما يدركه المرشد الأعلى هو تلك الحقيقة المؤلمة الضاغطة عليه الآن، وهي أن قرار مقاطعة إيران ووضع الحرس الثوري كمنظمة إرهابية لا يمكن لأي رئيس أمريكي -سوى ترامب- أن يجرؤ على اتخاذه.

وحده دونالد ترامب صاحب القرار، هو وحده القادر على تخفيفه، أو تجميده، أو إلغائه دون الرجوع لأي قوى.

لا يستطيع أي رئيس أمريكي آخر، خاصة إذا كان من الحزب الديمقراطي، أن يفعل ذلك.

الأمل الآخر البديل لحالة الإلغاء هو «حرب محدودة بين إيران والولايات المتحدة» تؤدي إلى هدنة تمهد لتسوية يكون فيها رفع العقوبات جزءاً أساسياً من بنود المقايضة فيها.

أمل المرشد إما نجاح ترامب والدخول في تسوية عبر وساطة أو عقب حرب.

رغم معرفة المرشد الأعلى لهذه الحقيقة فهو يلعب لعبة التصعيد المتدرج، والتحرش العسكري المحسوب، واستخدام الوكلاء ضد حلفاء أمريكا، ورفض الرسائل ورفض مبدأ التفاوض من أساسه.

إنه تكتيك عاصره المرشد الأعلى حينما كان رئيساً، وتابع مرشده «آية الله الخميني» حينئذ يتخذ قرار «تجرع السم وتوقيع اتفاق مع العراق» كما قال وقتها.

التكتيك الإيراني يواجه الجدول الزمني الأمريكي للضغوط الاقتصادية بجدول زمني مضاد برفع معدلات التخصيب وتجاوز ما جاء في الاتفاقية النووية.

إذا وصلت لعبة التصعيد الإيرانية إلى نقطة الخطر الحمراء سوف تكون طهران قد قدمت لترامب والدول الموقعة على الاتفاقية النووية والعالم مبرراً للتدخل العسكري! إنها لعبة شديدة الخطورة!