الحبيب الأسود يكتب:
ليبيا: الوفاق غير موفقة والحكومة المؤقتة تتمدّد
حوالي 90 بالمئة من مساحة ليبيا تحت سلطة الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب المنتخب، التي تتخذ من مدينة البيضاء شرق البلاد مقرا لها، بينما لا تتحرك حكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي إلا في المساحة المتبقية، ورغم ذلك تحاول أن تقنع العالم بأنها قادرة على أن تتحدث باسم الليبيين وتعقد اتفاقيات دولية وتتصرف في مقدرات الدولة وهي تضع يدها على أهم مؤسستين: المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، إضافة إلى المؤسسة الليبية للاستثمار والشركات الملحقة بها.
المشهد الليبي حافل بالتناقضات التي تم ترسيخها من قبل القوى الخارجية بعد التدخل المباشر للإطاحة بالنظام السابق عام 2011. كانت البداية عندما تم ضبط القوات النظامية لتحل مكانها ميليشيات مسلحة حملت في البدء اسم كتائب الثوار، قبل أن يتبين أنها جماعات غير متجانسة سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي وتحولت إلى مجالس شورى مجاهدين، ودروع إخوانية، وكتائب ترفع رايات القاعدة وداعش، أو ميليشيات جهوية تسيطر على السلطة والثروة والسلاح، وتتحكم في القرار المالي والاقتصادي، يتزعمها أمراء حرب كانوا في أغلبهم منبوذين من المجتمع أو خاضعين لأحكام قضائية بتهم الإرهاب أو السرقة أو التحيل أو مطرودين من المؤسسات الأمنية والعسكرية، ليصبحوا لاحقا ومن خلال هتافات التكبير مناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
من ذلك المستنقع الدموي الذي عرفته البلاد تنحدر حكومة الوفاق الحالية التي شكلها المجلس الرئاسي تنفيذا لاتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 والذي كان يهدف إلى إعادة تدوير جماعات الإسلام السياسي بعد فشلها في انتخابات 2014، ووقوفها وراء منظومة فجر ليبيا الإرهابية، ورغم أن حكومات الرئاسي المتلاحقة لم تحظ بتزكية البرلمان المنتخب وتم إسقاطها على العاصمة بمظلات القرار الدولي المرتبك، ورغم أنها غارقة في الفساد ودعم الإرهاب والتحصن بالميليشيات المتشددة، إلا أنها لا تزال الحكومة المعتمدة من العالم.
الحكومة الليبية المؤقتة، التي تنحدر من صلب البرلمان المنتخب وتم منعها من ممارسة أعمالها من العاصمة طرابلس الخاضعة للحكم الميليشياوي الإخواني، تعتبر اليوم الحليفة الشرعية المعتمدة من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، وكلما قام الجيش الوطني بتحرير منطقة من الميليشيات، تتحول مباشرة إلى سلطتها.
لذلك فإن كل مناطق شرق وجنوب البلاد، والجزء الأكبر من المنطقتين الوسطى والغربية، تخضع اليوم لحكومة عبدالله الثني، بما في ذلك مناطق لا تبعد عن طرابلس العاصمة إلا حوالي 20 كيلومترا أو أقل. كما أن أغلب المنافذ البرية ما عدا معبري رأس جدير ووازن الحدوديين مع تونس، وكل المطارات تقريبا ما عدا مطارات معيتيقة ومصراتة وزوارة وسرت، وكل منطقة الهلال النفطي و90 بالمئة تقريبا من مصادر الطاقة في البلاد تخضع للحكومة المؤقتة، إلا أن مواردها المالية تدار من قبل المصرف المركزي الخاضع لحكومة الوفاق.
شهد المجلس الرئاسي انهيارات سياسية أدت إلى استقالة أربعة من أعضائه وتحول من سلطة مؤقتة لتأمين الانتقال السياسي إلى سلطة دائمة تصطنع العجز لتبرير الاستمرارية، بينما لم توفق حكومة الوفاق المنبثقة عنه في نيل الشرعية الدستورية أو في خدمة الليبيين وإنجاز الترتيبات الأمنية التي أوصت بها اتفاقية الصخيرات، ولا في تحرير نفسها من حكم الميليشيات، ولا في توفير الخدمات للسكان المحليين، ولا في تحقيق المصالحة الوطنية أو التوصل إلى الحل السياسي ولو بتهيئة الظروف الأمنية لتنظيم الانتخابات.
تحولت حكومة الوفاق إلى حكومة جهوية تحت سيطرة بعض الأسر المفاخرة بجذورها التركية، بينما استطاعت الحكومة المؤقتة أن تجمع من حولها الأغلبية الساحقة من الليبيين المفاخرين بجذورهم العربية البدوية، والذين تتشكل منهم اليوم القوة الضاربة للجيش الليبي.
كذلك اختارت حكومة الوفاق أن تزج بنفسها في المحور التركي القطري الإخواني الداعم للإرهاب وتخندقت مع ميليشيات الإسلام السياسي، بينما انضمت الحكومة المؤقتة إلى محور الاعتدال العربي وإلى الدول المناهضة للإرهاب، وهي اليوم في خندق واحد مع الجيش الوطني الذي لا يزال منذ ربيع 2014 يقود معركة الكرامة لتحرير ليبيا من الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون.
في هذا الواقع يشعر العالم بالورطة التي وضع نفسه فيها عندما شرّع سلطة الرئاسي وصمت على الممارسات غير المسؤولة لحكومة الوفاق، لذلك يبدو واضحا في موقفه الذي يبدو أقرب إلى الزج بالرئاسي وحكومته في زاوية العزلة، بينما يفتح أبوابا للتواصل مع الحكومة المؤقتة ذات الشرعية الدستورية والميدانية في انتظار الانتهاء من تحرير العاصمة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستشرف على مرحلة الانتقال نحو الحل السياسي الجامع لكل الليبيين.