د. مروان هائل يكتب:

شهادة الدكتوراه في اليمن يحملها الفاشل والفاسد والمجتهد

ما إن تدخل محل ملابس أو مطعم أو محل خضرة أو بقالة إلا وتسمع أهلاً وسهلاً بالدكتور، شرفتنا، اتفضل يا دكتور، أي أوامر يا دكتور.. وتستغرب من أين عرف هذا الشخص بشهادة الدكتوراه التي أحملها؟ لتتفاجأ بعد ذلك أن الباعة وأصحاب المحلات تعودوا على زبائن أشكال وألوان من حملة اللقب الأكاديمي، الذين يمرون عليهم ويعرفون بأنفسهم بالدكتور فلان والدكتور علان. 

في اليمن إذا ناديت، على سبيل المزاح، صديقك البعيد بصوت عال في الشارع بكلمة يا دكتور فهناك اثنان على الأقل من خمسة أشخاص سيجيبان بالنظر أو بالإجابة على مصدر الصوت، لأن عدد حملة شهادات الدكتوراه في مختلف اتجاهات العلوم قد تجاوز كل الحدود الممكنة، البعض منهم أخذها عن جدارة بعد عدة سنوات دراسية مضنية وبحوث ولهم كل الاحترام والتقدير، بينما هناك من أخذها عبر بروفسورات الدفع المسبق وهؤلاء ينتمون لمجموعة المشترين للأطروحات الجاهزة، وآخرون من حملة شهادات الدكتوراه المزورة وتم معادلتها ومصادقتها في اليمن عن طريق سماسرة الفساد، وفي الآونة الأخيرة زاد الطلب على لقب الدكتور، خاصة من طرف رجال الأعمال والمسؤولين وحتى تجار الجملة والشيوخ، كون الشهادة واللقب بالنسبة لهذا الفئة من الناس هو نوع من (prestige) الهيبة. 

دراسة الدكتوراه في الخارج هي عبارة عن بحث مكثف لطالب علم في مجال ما، هي حصيلة جهد مستمر من الدراسات الجامعية، حيث يتم توجيه كل نشاط وطاقة طالب الدكتوراه نحو تحقيق نتيجة علمية ذات صلة لم تكن معروفة من قبل، وهناك متطلبات رسمية معينة للدخول في مجال الحصول على شهادة الدكتوراه، وهي أن تسبق مرحلة الدكتوراه حصول الطالب على شهادة الماجستير، ومن ثم اجتياز اختبارات وامتحانات وكتابة مقالات في التخصص ومشاركة في مؤتمرات وفترة تدريس التخصص (مرحلة تطبيق الأستاذية) في الجامعة التي يحضر فيها الطالب رسالة الدكتوراه، ولكن الجزء الأساسي والحاسم، الذي بدونه لا يمكننا تخيل الدكتوراه هو "الأطروحة العلمية "، التي قد تكون أطروحة طويلة أو قصيرة، ولكن المهم هو الاكتشاف العلمي وليس الجانب المادي أو عدد الصفحات. 

شهادة الدكتوراه تعطي حاملها حق التدريس في كل جامعات العالم، يعني تخريج أجيال من حملة الشهادات العليا كالماجستير (كادر مؤهل)، ولهذا أصبحت جميع دول العالم المتحضر قبل توظيف حامل شهادة الدكتوراه تتحرى إن كانت شهادة الدكتوراه التي يحملها حقيقية أم مزيفة، وذلك عبر التواصل المباشر والنت مع الجامعات مصدر الشهادة، وكذلك بالنسبة للأطروحات عبر نظام يسمى (sistem antiplagiat)، والمؤسف أن المؤسسات التعليمية في اليمن وعدن، منها أصبحت تمنح لقب الدكتور لأطروحات ضعيفة لا ترتقي حتى إلى مستوى دبلوم معهد متوسط، بسبب سياسة الهبر والفساد وعدم قدرة هذه المؤسسات التعليمية اليمنية على القول لبعض من "طلبة الله" في هذه الشهادات "آسف" نحن نحترمك ونقدرك، لكن هذا ليس في مؤسستنا التعليمية، التي ما أن تحاور البعض من خريجيها حول اسم أطروحته وجوهرها، حتى تجده يحاول إبعادك عن الموضوع. 

وزير الخدمة المدنية نبيل الفقيه أصدر قراراً قضى بتكليف فريق للقيام بحصر ومراجعة كل قرارات التعيينات في وحدات الخدمة العامة التي صدرت في الفترة من 2014 - 2019م، لتحديد مدى توافق التعيينات مع الشروط القانونية، كما أن الفريق الذي شكله الوزير سيقوم بفحص الشهادات ومنها التي يمتلكها مسؤولون لمعرفة إن كانت حقيقية أو مزورة، وهنا الفحص لا يحتاج إلى علوم الفيزياء، لأن حَملة الشهادات المزيفة في مؤسسات الدولة تجدهم في كل زاوية، وبعضهم مكشوفون ويحملون ألقاباً علمية وأكاديمية مزورة بشهادات غير معتمدة، كما يحبّذ مع حملة الفحص للشهادات المزورة حملة موازية عبر لجنة متخصصة من الكادر الأكاديمي الذكي وذي الخبرة العلمية لفحص حملة شهادات الدكتوراه الحقيقية للتأكد من كفاءتهم للأعمال التي يمارسونها، لأن ظاهرة الطلبة والناس العاديين الذين يشتكون من الدكتور ضعيف المعرفة والسمسار في مؤسسات الدولة وفي الجامعات منتشرة بشكل مخزٍ. 

بعض الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية ورجال أعمال وغيرهم يتم منحهم دكتوراه فخرية ولهم كذلك كل الاحترام والتقدير، ومقالتي ليست عنهم، بل عن زيادة أعداد ممن يحملون اللقب الأكاديمي المشكوك في كفاءتهم وفي شهادتهم التي يحملونها، والذين بسببهم ربما أصبح اليمن يحتل المرتبة الرابعة في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان والصين من حيث عدد الأكاديميين، فالجمهورية اليمنية لديها جيش جرار من حملة شهادات الدكتوراه، ولكنه جيش أكثريته ضعيف التسليح العلمي والخبرة، غالبيته حصلوا على الوظيفة عبر الوساطة والمحسوبية، والبعض منهم مناطقيين ويعمل في مراكز حساسة داخل الدولة والجامعات، وهم سبب استمرارية إنتاج التخلف والفوضى.