البعد التاريخي للصراع (العربي الفارسي)
في العصر الجاهلي كانت القبائل العربية تحكم الجزيرة العربية حكما قبليا يخضع للعصبية والفروسية والقوة، وكانت فارس والروم أقوى إمبراطوريتان في ذلك العصر الغابر، وصراع النفوذ بينهما في مد وجزر فدولة المناذرة حليفة للفرس في العراق ودولة الغساسنة حليفة للروم في الشام، ولم تكن الجزيرة العربية تغري باحتلالها فبقيت لقبائلها تتصارع فيما بينها!!
وكان أول نصر للعرب على الفرس في معركة "ذي قار" عام 609م.
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب حقق المسلمون نصرا ساحقا على جيوش الفرس في معركة القادسية عام 636م وكانت سببا في سقوط حكم كسرى!!
وتآمر الفرس لقتل عمر الفاروق على يد أبي لؤلؤه المجوسي وتمكن من قتله عام 644م وهو يؤم المسلمين لصلاة الفجر بالمدينة المنورة!!
وفي عهد الدولة الأموية (41هـ - 132هـ) تعايش العرب مع الفرس وكانت السيادة للعنصر العربي إلا ان الكراهية تجذرت في الذاكرة الفارسية بسقوط امبراطوريتهم وكانت تدور حولهم رغبات الانتقام مما أدى إلى ظهور الصراع مبكرا بين العرب والفرس.
الأول: تيار العصبية العربية: وكان بنو أمية قادة هذا التيار، وقد تمادوا في عصبيتهم إلى درجة المغالاة في ذلك فتذكر المصادر مثلا أن الحجاج كان شديد التعصب للعنصر العربي وأكثر شدة وبطشا مع العجم وقد أدت تلك السياسة إلى الاحتقان القومي بين الفرس والعرب!!
الثاني: تيار التعصب الفارسي: وهؤلاء من الموالي الفرس الذين تحاملوا على العرب لاحتلال دولتهم فكرهوا واحتقروا كل ما هو عربي لغة وفكرا وملبسا وعادة، فلم يكن من السهل على الفرس التخلي عن مجوسيتهم، وكان أمرا مؤلما لهم أن يخسروا إمبراطوريتهم وأن تسلب اموالهم وأن تسبى نساؤهم، وأن تباع بناتهم في سوق النخاسة العربية!!
وأدى ذلك إلى نشؤ حركة سميت فيما بعد بـ" الشعويية" وبالتالي أدى ذلك إلى قيام الدولة العباسية وبسواعد فارسية، ثم ظهر الخلاف جليا بين العرب والفرس، وكان القائد الفارسي أبو مسلم الخرساني يتزعم ذلك الخلاف، وعندما شعر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بخطره الداهم استدرجه ثم قام بقتله.
إلا أن الفرس عادوا للسيطرة داخل القصور العباسية بفضل نسائهم خاصة "البرامكة" الذين سيطروا على كثير من المناصب في عهد الخليفة هارون الرشيد (786 - 809م) ثم نشب الصراع بين الأخوة الأعداء الأمين والمأمون، وكان العرب يساندون الأمين والفرس ساندوا المأمون ابن مراجل الفارسية وانتصر فيه الفرس على العرب والمأمون على أخيه فقتله عام 198هـ.
ويعتز الفرس بهويتهم القومية وافتخارهم بها الى درجة الغرور في الماضي والحاضر!! حيث عادت الشعوبية في عصر "اليقظة القومية" التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ثم نضجت في العقد الأول من القرن العشرين ثم اخذت منحى عنصريا فجا في عهد السلالة البهلوية التي حكمت ايران (1925 الى 1979م)!!
وتمكن الفرس من احتلال الاحواز العربية عام 1925م ثم الجزر الإماراتية الثلاث عام 1971م ثم تنازعوا مع العراق على شط العرب، ثم قامت الحرب على العراق في الفترة (1980- 1988م)
ومحاولة تصدير الثورة الايرانية الى العالم العربي!!
ولعل اسوأ ما حدث لمواجهة أيدلوجية الخميني هو تأليف المئات من الكتب ضد الشيعة ونعتهم بـ"الرافضه" و "المجوس" و "الفرس" وكأننا بذلك نزج بالعرب الشيعة في احضان ايران محققين أحلام الحكومة الإيرانية!!
بينما الصراع هو صراع سياسي وليس طائفيا قوميا انه صراع وجود لاصراع حدود!!
والصراع في المنطقة هو بين قوميتين وهو في وجه من وجوهه صراع بين مذهبين والصراع العربي الفارسي منذ معركة القادسية وانهيار حكم كسرى!!
وفي الموروث الأدبي الفارسي ما قاله أحد شعراء الفرس الذي أعلن حقيقة هذا الكره واسبابه فقال:
"ان الصراع والعداوة مع العرب ليس حبا بعلي والدفاع عن حقه في الخلافه ولكنها البغضاء والعداوة لعمر الذي كسر ظهر العجم وهد حضارتهم !!"
ان التوتر في العلاقات العربية – الايرانية هو سياسي واستراتيجي، ولا يمكن فصله عن الميراث التاريخي للعلاقات بين الجانبين، كما أن رؤية ايران لدورها الاقليمي ومساعيها نحو الهيمنة كانت عاملا رئيسيا في تزايد حدة الصراع بين ايران ومحيطها العربي، وفي الوقت الذي تسعى فيه ايران الى الباس صراعها بعدا مذهبيا ودينيا لصراعها مع العالم العربي، وتصوير نفسها بأنها تحمل لواء الدفاع عن الشيعة لتحقيق اهدافها السياسية في الهيمنة فإنه لا ينبغي الإنجرار وراء هذه النظرة الضيقة التي تخفي ورائها اهدافا سياسية بل ينبغي كشفها.