مصطفى حمزة يكتب:

مستقبل التنظيم الدولي للإخوان في لندن بعد «جونسون»

تسلم بوريس جونسون، رئاسة وزراء بريطانيا رسميًا، الأربعاء 24 يوليو الجاري، خلفًا لتيريزا ماي التي قدمت استقالتها، بعد أيام قليلة من فوز «جونسون» بزعامة حزب المحافظين الحاكم، فور حصوله على أكثر من 92 ألف صوت، مقابل 47 ألف حصل عليها منافسه «جيريمي هانت»، ليطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل التنظيم الدولي للإخوان، الذي تحتضنه لندن منذ عشرات السنين، وسمحت له بممارسة كافة أنشطته وعقد اجتماعاته بحرية تامة، لتحقيق مصالح بريطانيا في الدول التي يتواجد فيه أفرع التنظيم.

ينتمي «جونسون» لتيار اليمين المتطرف، ما يجعل الكثير من المراقبين يتوقعون احتمالية انتهاء شهر العسل بين التنظيم الدولي للإخوان والمملكة البريطانية، أو على الأقل حدوث صدام بينهما، إلا أن خطوة كهذه لا يمكن أن تمر مرور الكرام لاعتبارات عديدة، إذ إن العلاقات الدولية قائمة في الأساس على المصلحة، ومصلحة بريطانيا لا تزال مرتبطة بتنظيم الإخوان، الذي تستخدمه كورقة ضغط سياسية على الأنظمة العربية عند اللزوم، وهو ما كان يحدث منذ بداية نشأة الجماعة الأم في مصر على يد حسن البنا، برعاية الاحتلال البريطاني الذي دعمها بمبلغ 500 جنيه في ذلك الوقت.

«جونسون» ليس حديث عهد بالسياسة ليتهور في قراراته إزاء التنظيم الذي يحقق لدولته مكاسب إستراتيجية كبيرة يعلمها جيدًا، بحكم توليه منصب عمدة لندن (حاضنة الإخوان) لمدة ثماني سنوات في الفترة من 4 مايو 2008 حتى 7 مايو 2016، كما أنه كان وزيرًا لخارجية بلاده (13 يوليو 2016 – 9 يوليو 2018)، بالإضافة إلى عضوية البرلمان (8 مايو 2015 – 3 مايو 2017)، هذه المناصب تجعله على دراية كافية بالطريقة المثلى في التعامل مع التنظيم الدولي، خاصة في ظل أزمة الجماعة مع الدولة المصرية وعدد من الدول العربية والخليجية، على الرغم من عداءه المعلن للتيارات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان، التي انتقدها كثيرًا خلال توليه حقيبة الخارجية في حكومة تريزا ماي السابقة، وقال إنها تستغل الحريات المتاحة لها في المملكة المتحدة لغض الطرف عن الإرهاب، منتقدًا سلوكها في الشرق الأوسط، وأضاف «جونسون»: «ينبغي أن تفتح بريطانيا عينيها إزاء جماعة الإخوان خصوصًا أنشطتها الخيرية والتأشيرات الممنوحة لأعضائها».

هذه التصريحات التي أدلى بها قبل وصوله لسدة الحكم، يمكن العدول عنها بسهولة ومرونة بعد توليه المنصب الجديد، الذي يغير حساباته السيساسية من دون شك، وهو يشبه في ذلك إلى حد كبير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وعد في برنامجه الانتخابي بحظر جماعة الإخوان المسلمين في بلاده، إلا أنه بعد الفوز لم يحرك ساكنًا تجاهها، وذهبت وعوده الانتخابية أدراج الرياح.

كان مكتب التنظيم الدولي في لندن ملتقى قادة الإخوان الـ15 على مستوى العالم، وكانوا يظنون أن بريطانيا تمنحهم حرية الحركة من باب الحريات العامة التي تسمح بها داخل بلادها، إلا أنهم مع الوقت اكتشفوا أن مكتبهم مخترق بالكامل، وأن اجتماعاتهم يتم التصنت عليها من قبل الأجهزة الأمنية في لندن، وقد تم تسريب إحدى هذه الاجتماعات إلى الحكومة المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ونشرت تفاصيله مجلة المصور، بعد أيام قليلة من انعقاده، وكانت صدمة للجماعة وقادتها، وتأكدوا حينها أن تنظيمهم الدولي تنظيم هش مخترق من قبل أجهزة مخابرات دولية عديدة، على رأسها المخابرات البريطانية.

لن تنقضي سنوات العسل بين المملكة المتحدة وجماعة الإخوان بسهولة، بسبب تصالح المصالح بينهما، فكل منهما يحتاج للآخر، فالجماعة التي أصبحت مطاردة وشريدة تبحث عن مأوى في كل مكان، وجدة ملاذًا آمنًا لإرهابها هناك، بل نمت استثماراتها التي يقودها القيادي إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولي، وعدد من رجال أعمال الجماعة، في حين لا تزال بريطانيا تحتضن الجماعة الأم وأذنابها الإرهابية التي تسعى في لندن فسادًا، وسيأتي يوم ينقلب فيه السحر على الساحر، وتنكوي بريطانيا بنار رعايتها للإرهاب الإخواني.

 

*نقلًا عن الأهرام المسائي