كرم نعمة يكتب:
متى يمكن محاكمة التبغ
عندما يقارن نشطاء المناخ ضرر شركات الطاقة بالسوء الذي تسببه شركات التبغ، فإنهم يختارون مثالا مؤثرا لإدانة شركات كبرى في تصنيع النفط والمعادن بتلوث الهواء، بيد أنهم يتجاهلون الضرر الحقيقي للتبغ نفسه.
شركات الطاقة لم ترتكب أخطاء، إنها تبيع منتجا مفيدا. ولا تتعمد الإضرار بالبيئة، لكن الأمر يحدث مثل الذي يقتطع مساحة من أرض زراعية من أجل أن يبني منزلا، نفع الإنسان وأضر البيئة. بينما شركات التبغ تبيعنا منتجا مضرا بالإنسان والإنتاجية والأموال وميزانيات الدول لمعالجة مدمني التدخين.
لذلك تصرف القضايا الكبرى المؤمل إثارتها من قبل منظمات حماية المناخ أمام المحاكم لمقاضاة شركات الطاقة، الانتباه عن المسألة الحقيقية وهي معضلة التبغ. إنهم يستفيدون من الضرر المعروف الذي ينخر فيه التدخين رئة العالم لمجرد إقناع المحاكم بتشابه الضرر الذي تسببه شركات الطاقة للبيئة مع شركات التبغ.
وهذا ما يدفع شيلدونو ايتهاوس، المدافع بشراسة عن قضايا المناخ وعضو مجلس الشيوخ الأميركي، إلى اعتبار المقارنة بين شركات النفط والتبغ صحيحة ومجدية وفي محلها.
ويقول “إذا أزلت كلمة التبغ، ووضعت كلمة الوقود الأحفوري، وأزلت كلمة الصحة، ووضعت مكانها البيئة، فإن الشكوى تكتب نفسها بنفسها”. لكن الحقيقة الحالية تتمثل بأن أحد الفوارق الحاسمة في أن قضايا المناخ لم تصل بعد إلى نطاق دعاوى التبغ، ولم تنجح أي من الدعاوى القضائية حتى الآن، وتم إسقاط عدد منها.
صحيح أن هناك قضايا مثيرة نجح القضاء فيها بإدانة كبرى شركات التبغ في العالم وأرغمها على دفع تعويضات ضخمة لأسر متوفين بسبب التدخين، لكن المسألة الحقيقية لا يمكن اختصارها بالضرر الشخصي وموت أشخاص، إنها سلسلة مترابطة من الصناعة المشينة تبدأ بالترويج للتدخين ولا تنتهي بالأموال التي تنفق على العلاج والأبحاث التي تتحدث عن ضرر التدخين.
مع ذلك لم يقتص من شركات التبغ بقدر الضرر الذي تتسبب به للبيئة والإنسان معا، بالطريقة التي يتم بها جر شركات النفط والطاقة إلى المحاكم، بينما تمتلك تلك الشركات إجابة بسيطة تدافع فيها عن نفسها: نحن نبيع منتجا مفيدا، ونعمل على تطوير الصناعة من أجل ألا تكون أضرارها جسيمة على المناخ.
بإمكان شركات الطاقة أن تستعين بالتاريخ للدفاع عن نفسها، فصناعة الكبريت قبل مئة عام مثلا مختلفة بشكل كلي عما عليه اليوم، يكاد يكون الضرر الذي كانت تتسبب به للعاملين في مصانعها والبيئة، قد تراجع بنسبة كبيرة.
لكن شركات التبغ لا تفعل أكثر من الحصول على مزيد من الأموال من ملايين المدخنين الذين يسيّرون إنتاجها بأموالهم واستهلاكهم للتبغ. ودون أن تخضع لمحاكمة حاسمة.