رشيد الخيُّون يكتب:
عدن.. الأبعد عن مكائد الإخوان
كان مؤسس «الإخوان المسلمين» يتصيد فرائسه مِن الطلبة الدارسين في الأزهر، كي يعودوا ويُشكلوا التنظيم ببلدانهم. غير أن هذا لم يحصل مع عدن ولا حضرموت ولا بقية السلطنات التَّابعة لها آنذاك في العهد البريطاني (1839-1967)، لكن لم يتسرب نشاط «إخواني» لعدن إبان دولة الإمامة المتوكلية (1902-1962) شمالاً.
كان تأسيس فرع «الإخوان» بدولة الإمامة شمالاً مختلفاً عن بقية الفروع، فمِن العادة أن التنظيم «الإخواني» ينشط بين المذاهب السُّنية، ففكرة الإمامة تُعيق وجود هذا التَّنظيم داخل الإمامية أو الزيدية، لأن الاثنين يؤمنان بالوصية في الإمامة، وإن اختلف الزيدية واعتبروها وصية فقه لا سياسة، فعلي بن أبي طالب إمام وصلته الخلافة (35-40هـ)(المرتضى، المُنية والأمل).
غير أن المذهب الزِّيدي له قُرب مِن السُّنة، وهذا لم يمنع القاضي الزَّيدي محمد محمود الزُّبيري(اغتيل 1965) مِن تبني الفكرة «الإخوانية»، بعد لقاءات مع حسن البنا (اغتيل 1949) خلال دراسته في الأزهر، وعند عودته إلى اليمن (1941)، أسس «برنامج شباب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر»، وكانت للزبيري صلة بـ«الإخواني» الجزائري الفضيل الورتلاني (ت1956)، الذي يُعتبر مبعوث البنا إلى اليمن، والمشترك في ثورة 1948 الفاشلة بصنعاء. كان لهذا الرَّجل حضور مع مَن حضر مِن «الإخوان» لتهريب المحكوم بالإعدام نواب صفوي (أعدم 1955) مِن السجون الإيرانية، بعد القيام باغتيالات، مع مَن حضر إلى بغداد بهذه المهمة، ومعه علي طنطاوي (ت1999) وغيره (العجلي، الفِكر الصَّحيح في الكلام لصَّريح/ مؤلف هذا الكتاب كان أحد المشاركين). نَذكر ذلك كي يُفهم المشروع «الإخواني» التَّوسعي.
بإيعاز من «الإخوان» أسس الزُّبيري، وكان يسعى إلى جمهورية إسلامية، «حزب الله» (1962)، بنسخته «الإخوانيَّة» (المسعودي، الزبيري ومشروع حزب الله). أما التأسيس التنظيمي «الإخواني» فتم خلال عامي 1959- 1960، وليس بصنعاء إنما بالقاهرة، وكان الاسم «مجموعة الحياد بين الأحزاب»، لكن والبداية كان بخمسة طلبة يدرسون بالقاهرة، بينهم عبدالمجيد الزنداني، وبعضهم كان ينتمي إلى حركة «القوميين العرب»، وانقلب إلى إسلامي، أخذ يجمع بين السَّلفية و«الإخوانية» (سعيد ثابت، الحركة الإسلاميَّة في اليمن)، وهنا يلتقي النقيضان، «الإخوان» بصنعاء والماركسيون بعدن، في رحم «حركة القوميين العرب».
لم يمتد تنظيم «الإخوان» بشمال اليمن إلى عدن، المدينة المنفتحة، التي ظلت هكذا حتى قيام الوحدة (1990)، حيث الهيمنة المزدوجة القبيلة و«الإخوانية». فطوال حكم «الجبهة القومية»، ثم «الحزب الاشتراكي» اليمني كان وجود «الإخوان» مرفوضاً، رسمياً وشعبياً، ولم تدخل لعدن الصَّحوة الدِّينية، فالنظام لم يسمح بها، على الرَّغم مِن وجود أشخاص معدودين مِن الإسلاميين، يحاولون وسط طلبة المدارس، إلا أنهم ظهروا بعد الوحدة بفتح مقرات لحزب «الإصلاح» (التشكيل الإخوان القبلي الشمالي)، بعدن، ولم يمرّ هذا من دون صراع بين الصحف العدنية وصحيفة «الصَّحوة» الإخوانية. زاد النزاع بعد كشف معسكرات التدريب «الإخوانية» على السَّلاح بمحافظة لحج، قبل حرب 1994، كشفتها صحيفة «صوت العمال» بعدن، بالأسماء والدلائل.
جاء ذلك امتداداً للنزاع بين التَّيار الماركسي المبكر، في الخمسينيات والستينيات، والذي كان يمثله حزب «اتحاد الشعب الدِّيمقراطي» برئاسة عبدالله باذيب (ت1976)، وكانت صحيفته «الطليعة» تخوض المعركة آنذاك ضد الإسلاميين بتعز، حيث اللجوء إليها بعد مطاردة البريطانيين له، ومحاكمته بعدن، بسبب مقالاته ضد الاحتلال.
إضافة إلى التَّاريخ غير المريح بين الإسلاميين (الإخوان) وعدن ومناطق الجنوب، جاءت تداعيات الوحدة اليمنيَّة، على عدن والجنوب، بحلف بين «الإخوان» وحزبهم «الإصلاح» وعلي عبدالله صالح (قُتل 2017) وحزبه «المؤتمر الشَّعبي»، وتم استغلال الديمقراطية لإلغاء ما أُتفق عليه في مباحثات الوحدة، وهو ما أشعر الجنوبيين بأنهم غامروا بدولتهم، لتكون ملكاً صرفاً لـ«الإخوان» والقبائل وعلي عبدالله صالح، بتحالفهم مع الجماعات المتطرفة، والتي نكلت بالجنوبيين بسلسلة من الاغتيالات، ثم تحقق على أرض الواقع نتيجة لحرب الشمال على الجنوب (1994)، التي انتهت باجتياح عدن، كان الأكثر إيلاماً فتاوى التكفير والحرب التي أطلقها قادة «الإخوان»، واعتبروا بها أهل الجنوب ليسوا شرعيين، بسبب قانون الأحوال الشَّخصية الذي كانت تمتاز به عدن.
فيرى العدنيون أن وجود رئيس جنوبي يستر الهيمنة «الإخوانية» القبلية على الجنوب، بموارده الواعدة، وأرضه الشاسعة. لا يستبعد الجنوبيون عموماً أن بلادهم إذا لم تصبح اليوم غنيمة لـ«الحوثيين» أيضاً، كونهم مِن أهل الشَّمال، وضمن حلف شمالي يجمعهم مع «الإخوان»، فهذا سيكون الخطوة اللاحقة.