مدير التحرير يكتب:
السقوط الصحفي.. والرذيلة
عندما يبتذلُ الضمير إلى درجةِ التسيّبِ الوطني، ويفقدُ الصحفي والإعلامي مروءةَ المبادئ، فلا يمكن احتساب ذلك إطلاقا وفق أي معايير مهنية عالمية، في تلك المساحة المسماة رأي آخر، أو مقياس اجتهاد يصيبُ فيه المرء ويخطئ.
عندما ينطلق ذلك المسمّى صحفي في تحقيقِ أجندته السياسية، باستغلال أبشع وسائل الطعن الأخلاقي والمجتمعي، وتحويرِ الحقائق، ليست تلك المتواجدة بالضرورة في مستوى الشك، بل تلك التي أفنى المجتمع نصفَ أبنائهِ وعلى مدار أجيال متعاقبة، كي يحافظ عليها، تلك القيم والثوابت والحدود التي تمثّل بنية وهيئة وهيكلة هذا المجتمع. تلك التي تحفظُ المستوى الأدنى من الكرامة، المستوى الأدنى من أمنِ الذات وأمن الأرواح وأمن الانسجام المجتمعي.
عندما تبرّرُ غايات هذا الصحفي اللجوءَ لأقذر الوسائل، لتحقيق تقدّم يذكر في سياق المشروع والمخطط الذي وُضِعَ هو فيه، فهو بذلك لا يدوس فقط على كل معاييرِ الصحافة والإعلام، ويتجاوز كل قيمها العالمية المحددة والواضحة، بل يتحّول إلى أداة هدم خطِرة، تهدد الوعي العام، والتماسك المجتمعي والأخلاقي وحدود الوطنية، ويصبح بالتالي إصراره على تنفيذها خروج فاضح عن سياقات هذه القيم المجتمعية الوطنية، وتمحوُر وظيفي اصطفافي شاذ (عميل ، مرتزق، عدو.. أو ما سواه) ، تتجاوز دون أدنى مقارنة سواها من المحاذير التقليدية التي يحددها أي مجتمع بـ "الرذائل".
وهي تلك المحاذير التي وُجِد الصحفي، لكي يساهم في الحمايةِ من الوقوع بها، والدفاع عن نقيضها. فباستطاعة أي شخص حتى أولئك الجاهلون، أن يُمسكوا القلم ويكتبوا ما قد يشتت شمل أسر، ويفرق أي مجتمع ويهدد استقرار أمن بلد ويدمّر أي مؤسسة وطنية. وهذا لعمري ليس معيار الشرفاء ولا الصحفيين ولا من يتحلّون بالحد الأدنى من الاحترام للذات والمهنة وللمحيط.
ما أردت أن أقوله هنا، أن الأخلاقَ الصحفية تحدّدها مستويات التأثير السلبية على طبيعة وقيم وخلقِ أي مجتمع وحدودِ أي وطن، وكذلك النقيض الإيجابي.
مضى على تواجدي في سويسرا قرابة العشرِ سنوات. سويسرا الدولة الوحيدة في محيطها التي رفضت الانضمام للاتحاد الأوروبي. قرأتُ خلال هذه المدة عشرات المواد الصحفية والإعلامية لعمالقة الإعلام ومبتدئيها وحتى سياسييها من مختلف التوجهات والأفكار والأديان والخلفيات السياسية والثقافية. لم أجد أبداً ، وأعني "أبداً" أن أحدهم تجرأ للمس " بالنسيج الاجتماعي السويسري، أو الدعوة للتفريط بمكتسبات سويسرا الوطنية، أو القبول بأن تصبح هذه الدولة ، التي كانت حتى قبل خمسين عام لا تملك سوى حليب الأبقار، مجرد دولة تابعة ، تتحكم بمصيرها برلين أو بروكسل أو باريس.
أفلا تعقلون؟؟؟؟
-مدير تحرير اليوم الثامن