كرم نعمة يكتب:

أموال النفط ليست كاقتصاد القهوة

“ستاربكس” هو جهاز مكوّب من قدح قهوة يمكن به قياس مستوى الاقتصاد الأميركي، هل يمكن الحديث مثلا عن البطاطا كجهاز آخر لقياس الاقتصاد البريطاني، ملايين الأطنان من البطاطا تستهلك يوميا في بريطانيا.

وهل يمكن لنا أن نعرف إذا كان بإمكان طنجرة الفول أن تكون مقياسا للاقتصاد المصري؟ ماذا عن التمور العراقية، هل تدخل في مستوى من التأثير على الاقتصاد المترهل هناك؟

عند الحديث عن التمور في العراق يصبح الأمر أشبه بمزحة سمجة بعد أن كانت مثالا وطنيا في عقود السبعينات والثمانينات، كان صدام حسين قد نصح الأطفال العراقيين بعد أن شحت عليهم الشكولاتة إبان طوق الحصار الأعمى على البلاد، بأن يستبدلوها بالتمر، في رسالة ثقة بالنتاج المحلي، لكنها لا تخفي في مضمونها التداعي الذي حل باقتصاد البلاد آنذاك.

واليوم بسبب الأخطاء السياسية المتراكمة والفساد لم يعد التمر العراقي مصدرا لاقتصاد البلاد ولا الفول المصري حلا.

الأيرلنديون يتحدثون عن الجعة السوداء كرمز وطني لبلادهم في السلم والحرب، لم تتأثر مبيعاتها في أسوأ سنوات القتل.

اعتاد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الاتصال بهوارد شولتز مؤسس “ستاربكس” ورئيسها التنفيذي السابق، للحصول على معلومات عن اتجاهات المستهلك الأميركي. كان يحسبها بعدد الفناجين يوميا، كمعادل موضوعي لملاعق القهوة والشاي التي قاس بها الشاعر ت.أس إليوت، الزمن.

الاقتصاد يبدو من الوهلة الأولى أرقاما مهولة ومعقدة، لكن يمكن تبسيطه بقدر الحسابات التي تجريها المتاجر في نهاية كل يوم لبضاعتها المباعة. وهو أمر أكثر فعالية من أي بيانات أخرى. بالطبع ليس نموذج أقداح القهوة وحده مثالا متميزا لهذه الهندسة المالية، يمكن لتركيا أن تقيس على لبنها وإيران على فستقها… لكننا لا نبدو اقتصاديين بقدر مطمئن بالمستقبل كي نبقى نقيس وضعنا على براميل نفطنا. تركيا وإيران بلدان عظيمان، لكنهما أيضا فاشلان في إدارة اقتصاد جيد، ويمكن معرفة ذلك بمؤشر مرتبط بمحفظة نقود الإيرانيين والأتراك، التي تبقى نائمة في الجيوب بعد أن تظهر أول علامة حقيقية على وجود مشكلة اقتصادية. محفظة النقود مقياس جيد لسلوك المستهلك.

فكرة الدولة الريعية ليست مثالا صالحا لاقتصاد مستقبلي، وكان رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم من الشجاعة بالاعتراف أن الكويت دولة تبيع نفطا وتعطي رواتب، محذرا من أن هذا الوضع أشبه بطريق انتحاري للاقتصاد. الأميركيون يشعرون بثقة باقتصادهم مع شرب أقداح القهوة كل يوم، وكذلك يطمئن البريطانيون إلى أسواقهم بعد كل وجبة بطاطا رخيصة مع السمك، لكننا لسوء الحظ لا يمكن أن نشرب نفطنا، لذلك جاع العراقيون عندما اشتد الخناق على بيع نفطهم، وسيجوع الإيرانيون ويفقد غيرهم رفاهية حياتهم.