فيصل الصوفي يكتب:
بين الجد ومغالب السآمة
قرأت في أحد التقارير العلمية أن الأديان سوف تزول من الوجود في يوم من أيام المستقبل.. واتكأ أصحاب هذا التوقع على تزايد أعداد الملحدين بما في ذلك المسلمون، إلى جانب التقدم العلمي خاصة في مجال علم الفيزياء الذي أصبح يهز كثيراً من المسلمات الدينية.. قلت: زوال الأديان مستحيل، فبعض الديانات صار عمرها يزيد عن خمسة آلاف سنة، وما تزال حية وتكسب تابعين أكثر من الذين يتركونها، ثم إن الاقتناع الراسخ لدى كل أهل دين هو أن دينهم صالح لكل زمان ومكان.. وبالإجمال لا مصلحة للمجتمع البشري في زوال الأديان، حتى لو طوح العلم ببعض مسلماتها، ولو كان الأمر كذلك لزالت اليهودية المحشوة بخرافات وأساطير، بل وما يتعارض مع أهم فكرة يقوم عليها دين سماوي، وقد قرأت فيها واقعة الاشتباك التي حدثت بين الله وإسرائيل التي استغرقت جزءاً طويلاً من الليل، ولم تنته إلا بضربة ماحقة تحت الحزام.. فضلاً عن أن في التوراة كثيراً من الدلائل التي تؤكد أن آيات منها كتبت بعد موت صاحبها.. على سبيل المثال مكتوب في الإصحاح 12 من سفر التكوين عن الفرعون والنبي إبراهيم: (فصنع إلى ابرام خيراً بسببها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء واتن وجمال..... ثم أخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه ومضى و...). ومعروف أن إبراهيم مات نحو السنة 1800 قبل الميلاد وبعده بعقود قليلة مات النبي يوسف المذكور في القرآن أن أخوته طمعوا منه بزيادة كيل بعير.. واليوم اكتشف علماء آثار إسرائيليون بارزون بينهم سابيرهن، وإيريز بن يوسف، من معهد علم الآثار بجامعة تل أبيب أنْ لا جملَ ولا بعيرَ كان هناك في ذلك الوقت.. فقد درس أولئك العلماء اليهود بنو اليهود عظام جمل تم العثور عليها في وادي عربة عام 2009، مستخدمين أحدث تقنيات العلم فتبين لهم أن ما ورد في التوراة عن استخدام الجمل أيام النبي إبراهيم وعياله يدحضه العلم.. أن فلسطين لم تعرف الجمال المدجنة المعروفة للناس، إلا بعد 900 عام من وفاة إبراهيم!
،،،
تأملوا في هذه.. لا ينسب إلى الله ولا يضاف إليه إلا الحسن، وهو نفسه قد حصر ذلك في التالي: دين الله، كتاب الله، كلمة الله، قول الله، بيت الله، حكمة الله، رحمة الله، خليل الله، رسول الله، وحزب الله، وهم عموم المؤمنين.. بعد هذا الحصر أضاف قبائل عربية إلى الله حيوانات فسموا الأسد كلب الله، كذلك حيوانات وأيام وجمادات فقالوا: ذئب الله، ثور الله، كبش الله، يوم الله، وسيف الله.. ومؤخراً جاء عزالدين وأخوته بأضرط مما افتراه أخوتهم الأولون: فقالوا: حبيب الله، أنصار الله، رجال الله، نصر الله، عدو الله، شهيد الله، ظل الله، حسب الله.. ولو تأملتم في أحوالهم وجدتم أن حبيب الله كاره، وأنصار الله قتلة عباد الله، ورجال الله لصوص، ونصر الله دجال، وعدو الله مسألة شخصية، وظل الله مفتر دعي، وحسب الله عربيد.. كلهم أضافوا الله إليهم، فلا حبهم الله ولا أحبوه، لا نصروه في حق ولا ينصرهم من ليس بناصر دعاة الكراهية وحمالات الباطل والهزائم.. منذ عشر سنوات على الأقل والحوثيون يصرخون في وجوهنا الموت لأمريكا، وفي الخفاء يرنون إليها بعين عاشقة، كالذي يصيح في مخمور ثم يسبق أبا نواس للحانة.. منذ نحو 90 سنة يقول الإخوان المسلمون الإسلام هو الحل، ويعلون من القرآن: إن تنصروا الله ينصركم، ولم يجربوا طرح سؤال على أنفسهم مثل: لماذا لا ينصرنا الله؟ لأن الإجابة تقتضي إقرارهم أنهم مخادعون كذابون غشاشون متاجرون بالله ودينه ورسوله وكتابه.
،،،
وبعد خذوا هذه التحلية.. نال الحصان كليفر هانس شهرة كبيرة في قارة أوروبا نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين بعد أن استطاع صاحبه إقناع الجمهور أن كليفر هانس يحل المسائل الحسابية التي تطلب منه.. كان صاحبه يتنقل به من مدينة أوروبية إلى أخرى يعرض موهبته أمام الجمهور الراغب في الرهان.. مثلا يطلب أحدهم من كليفر ناتج ضرب اثنين في خمسة، فيبدأ يضرب الأرض برجله ثم يتوقف بعد العاشرة.. وبذلك يكون قد أجاب إجابة صحيحة ويكسب صاحبه الرهان.. أو يطلب منه مراهن آخر ناتج قسمة مائة بين عشرين مثلا، فيضرب برجله الأرض خمس مرات.. ودائما كان المراهنون يخسرون وصاحبه يكسب.. في نهاية المطاف تبين أن الحصان ليس موهوباً في الرياضيات.. لا يضرب، لا يقسم، لا يجمع.. كل ما في الأمر أن صاحبه كان محتالاً ماهراً.. درب حصانه يضرب الأرض برجله وأن يتوقف عن ذلك عندما يلحظ تغييراً على وجه صاحبه، تغييراً طفيفاً.. عود الحصان على رؤيته في جزء محدد من الوجه، لا يستطيع أي فرد من الجمهور ملاحظته بسهولة.