فيصل الصوفي يكتب:

عيّنة من شهادات أبو أصبع

تابعنا طرفاً من الشهادات التاريخية التي أدلى بها رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في صنعاء، يحيى منصور أبو إصبع، لمقدم برنامج في قناة المسيرة عنوانه: ساعة للتاريخ، فلحظنا أن الشاهد لا تصلح شهادته لفقده شروط الراوية.. فلا أمانة، ولا عدالة، ولا صدق، ولا شهود تاريخي بل تزوير وقائع، وغش ثقافي.

نخمن أنه بينما كان يردد لازمته الكلامية (شفت كيف)، كانت أذنه تصفر.. فما كان أغناه عن وضع نفسه في مكان لا يليق بسنه، مهما بلغت متاعبه الشخصية، لكن يبدو أن المضيف يشتي كذه لكي يخفف عن العصابة الحوثية كره الشعب لها بسبب فعلتها النكراء مع الرئيس علي عبد الله صالح.

لقد أسفنا أن رفيقاً قديماً، من أسرة محترمة، كبير السن والمقام، قد عرض نفسه أمام العالمين عرضاً جعله لا يسوى بيستين!

سوف نأخذ عينة من كلام مليئ بالأغلاط التاريخية لرجل كان يدلي لقناة المسيرة الحوثية بشهادات تاريخية من الصنف المرغوب به.

من جملة تلك الأغلاط أو المفتريات قوله إنه كان برفقة وزير الداخلية يحيى المتوكل يسيران في جنازة تشييع جار الله عمر الذي قُتل في أول أيام المؤتمر العام الرابع لحزب الإصلاح برصاص أطلقها عليه أحد تلاميذ الزنداني (علي جار الله السعواني) أواخر شهر ديسمبر 2002.. في الحقيقة لم يكن يحيى المتوكل وزيراً للداخلية في ذلك الوقت.. وقال أبو أصبع إن المتوكل قال له إنه يشعر أنه سيلحق بجار الله عمر.. وأن كلام المتوكل طلع صح، حيث بات في ليلة من ليالي يناير 2003 بمدينة الضالع، وفي الصباح بكر مسافرا إلى عدن، فقتل قبل أن يصل لحج.. قال قتل بعملية مدبرة حيث انقلبت به السيارة.. والصواب أنه في صباح 13 يناير عام 2003 توفي يحيى محمد المتوكل الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام اثر انقلاب سيارته في الطريق بين عدن ولحج.. كان في عدن، وصبيحة ذلك اليوم سافر عائدا إلى صنعاء.. لم يقع الحادث بين الضالع ولحج هذا أولاً.. 

ثانياً أن المتوكل لم يكن حينها وزير داخلية، إذ إنه تولى وزارة الداخلية إلى العام 1994.. وقبيل وفاته كان أميناً عاماً مساعداً للمؤتمر الشعبي العام.. 

الأمر الثالث، أن الرئيس علي عبد الله صالح كان يشك في أن المتوكل توفى بسبب مؤامرة من قبل المعارضة التي كانت خصيماً للمتوكل، لذلك أمر الرئيس بإجراء تحقيق حول وفاة المتوكل، وجاء فريق فني من شركة تويوتا اليابانية لفحص السيارة، وتبين له أن السيارة كانت سليمة من كافة النواحي، ولم يتعرض أي جزء منها لفعل مريب، وأنها انقلبت بسبب أن السائق كان مسرعاً، فانزلقت السيارة وانقلبت عدة مرات.. ويحيى المتوكل كان من كبار رجال الدولة.. كان ذات يوم وزير داخلية، فهو رجل أمن من الطراز العالي، وسيارته كانت محمية، وكان محاطا باحتياطات أمنية، باستثناء أنه كان عرضة لاغتيال ناجح في رأس الأب الجديد للشهادات التاريخية!!

ولا شيء معهود قبلاً في تجربة المناضل الاشتراكي العتيد.. فمن عدن إلى رأس العارة، قفز أبو أصبع إلى نقيل الهجمة في عزلة الأعبوس قفزة لم تستغرق سوى دقائق معدودة، وفجأة ترك نقيل الهجمة لأن السلطة كانت (مرتبة) في رأس النقيل، حيث لا نقيل في الهجمة، ولا رأس له أصلا! ومن معاجزه أنه استغرق يومين فقط للانتقال من رأس العارة إلى الجوف مرورا بالهجمة قرب المفاليس، ثم الحديدة، ثم صنعاء التي تلاحقه جيوشها وأجهزتها الأمنية.

وجهاز الأمن الوطني لم يكن له شغل سوى ملاحقه أبو أصبع طول الوقت، ومع ذلك كان كبار المسئولين في جهاز المخابرات أصدقاء له، حتى إنه توسط لديهم للرأفة بمدير أمن يدعى محمد خميس.. وعبدالله أحمد الوصابي أول نقيب لنقابة الصحافيين التي أسسها الوصابي نفسه في شمال اليمن، والمشارك في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أول مؤسسة وحدوية، كان صاحب أبو أصبع الروح بالروح! حتى أن أبو أصبع كان يدفع عنه كل شبهة أمام رئيس المخابرات، أما الدكتور عبد السلام الدميني، الذي توفي بحادث تدحرج سيارته ذات ليلة في نقيل سمارة، فقد اغتاله أبو اصبع في نقيل يسلح بعد أكثر من أربعين سنة من وفاته!