حتى لا نضيِّع الفرصة ثانيةً !!

كانت غلطة المقاومة الجنوبية أنها أضاعت بعد طرد الغزاة من عدن وأرض الجنوب في يوليو 2015م، فرصة ثمينة في لحظة انبهارها بنشوة النصر، وتركت جني ثمرة انتصارها لأطماع الطامعين وعبث العابثين من رموز المفسدين السابقين واللاحقين، ولم تهتبل الفرصة الذهبية السانحة حينها لتسيطر على مفاصل السلطة وإداراتها وتفرض شروطها كشريك رئيس وفاعل له قوته وصوته المسموع في أية تسويات لاحقة وفق حجمها على الأرض وفي ضوء استحقاقات شعبنا وقضيته العادلة.. لكنها لم تفعل لأسباب منها تفرق وتشتت المقاومة إلى مقاومات وقيادات وعدم الانتباه لأهمية وجود القيادة الواحدة أو الكيان السياسي الموحد الذي يجسد إرادة الشعب ويكون لسان حاله فقدمت نصرها لغيرها على طبق من ذهب..وتلك لعمري غلطة تاريخية ذهبت بسببها ، وعلى حين غرة، فرصة نادرة لم نحسن استغلالها وتركناها تفلت من أيدينا وما زلنا ندفع ثمنها مضاعفاً حتى اليوم، خاصة بعد سلمنا أمرنا دون شروط لشرعية لم ننتخبها، جاءتنا هاربة ممن انتخبها، فاحتضناها وقبلنا بها في لحظة فارقة كنا معها ومع التحالف العربي أمام خطر داهم يهددنا جميعاً، بل ولاحقها قبل غيرها إلى قصر معاشيق الذي لاذت به قبل أن تغادره هاربة إلى الرياض، فيما تصدى شعبنا الجنوبي ومقاومته الباسلة لأولئك الغزاة حتى دحرهم مهزومين بدعم من الأشقاء في التحالف العربي.

ومع ذلك ظلت العلاقة مع الشرعية قائمة على قاعدة مواجهة الحوثيين وقوات المخلوع كخطر يتهدد الجميع.. وأجل الجنوبيون البَتّ في طرح مستحقاتهم إلى وقت مناسب، بما لا يعيق الجهد المشترك للمقاومة الجنوبية والسلطة الشرعية والتحالف العربي في استكمال تحرير المناطق التي ما زالت تحت قبضة الحوثيين، ولكن دون التنازل عن قضية شعبنا أو مقايضتها بمناصب معينة..

وفي ضوء ذلك كان قبول القائد عيدروس الزبيدي بمنصب محافظ عدن، في لحظة تاريخية فاصلة من أجل انقاذ عدن من مصير مجهول كان ينتظرها، وكما نعلم جميعاً فقد قبل ذلك المنصب في أصعب الظرف بقرار رئاسي حينما أحجم آخرون عنه وتهيبوا قبوله، فجاء حينها يحمل نعشه في كفه بعد أن تنازعت عدن قوى الإرهاب وعاثت فيها دماراً وخراباً ورعباً أقلق سكينتها بعد أن أودت تلك القوى الإرهابية بحياة سلفه القائد الشهيد جعفر محمد سعد، فيما كان شرعيو السلطة في فنادق الرياض يراقبون الأوضاع في عدن من بُعد ويترقبون لحظة الايقاع به في حادث من حوادث التفجير التي تعرض لها أكثر من مرة..

وحينما استتب الأمن ونجحت الخطة الأمنية المعمدة بتضحيات ودماء مئات الشهداء والجرحى ودعم الأشقاء في التحالف العربي وخاصة الإمارات العربية المتحدة.. جاءت الشرعية تجرجر أذيالها لتستوطن جمهورية (معاشيق) في أمن وأمان..ثم بدأت بخلط الأوراق بتأثير لوبي النفوذ والفساد الأرعن الذي تفرعن بعد أن تشرعن فأخذ يتنكر شيئاً فشيئاً لتضحيات الشهداء ولاستحقاقات شعبنا الجنوبي ومقاومته الباسلة التي كانت شريكاً رئيسياً في صناعة النصر وفي احتضان شرعية الرئيس هادي..

حتى جاءت القرارات الأخيرة التي تذكرنا بجزاء "سنمار" الذي يضرب مثلاً لسوء الجزاء، حيث تم بموجبها إقالة المحافظ عيدروس والوزيرين هاني بن بريك ووحي أمان في اليوم المشئوم في ذاكرة الجنوبيين  27 إبريل لارتباطه بإعلان حرب 94م ضد الجنوب، فألقت بظلالها على علاقة المقاومة والحراك الجنوبي مع شرعية الرئيس هادي، وكانت القشة التي قصمت ظهر تلك العلاقة..فيما كان المتوقع أن يسارع الرئيس عبدربه منصور هادي بإقالة وإزاحة القيادات الفاشلة التي تحيط به من رموز الفساد الذين يتم تدويرهم منذ عهد المخلوع وعلى رأسهم الجنرال العجوز "علي كاتيوشا" ورئيس هية أركان  جيش "محلك سر" المقدشي وكذا رأس حكومة العُسر، بن دغر وغيرهم.

لكن كما يقال، رب ضارة نافعة، فلعل قرارات الرئيس الأخيرة جاءت لصالح شعبنا الجنوبي، فقد حركت الكثير من المياه الآسنة، وإعادة الوهج لتحرك شعبنا الجنوبي في سبيل إحقاق حقه في أرضه بعيداً عن معوقات قوى النفوذ ورموز الاحتلال القديمة التي طُردت من باب المقاومة السلمية وتحاول أن تعود من نافذة شرعية الرئيس هادي، وكأن شعبنا بلا ذاكرة وبلا إحساس بمخاطرها..

وها نحن الآن أمام فرصة ذهبية أخرى يجب علينا اهتبالها بإعلان كيان سياسي وعسكري جنوبي يجسد إرادة شعبنا الممسك بالأرض الجنوبية التي أضحت بين أيدينا وتتسع لنا جميعاً وعلينا أن لا نضيع للمرة الثانية هذه الفرصة فهي الخطوة الأهم على طريق الهدف الرئيسي الذي ننشده جميعا وضحى من أجله الشهداء.. وعلينا أن لا نصطدم بشرعية الرئيس هادي أو الأشقاء فيالتحالف العربي، ونجب الجنوب من أن يتحول إلى ساحة اقتتال، وأن لانترك مصيرنا تتنازعه الأهواء والصراعات التي لا تحمد عقباها ،كما يخطط لذلك أعداؤنا.

 وها هي الفرصة اليوم سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق كيان سياسي يدير الداخل الجنوبي ويمثلنا في المحافل الإقليمية والدولية، ويوصلنا إلى الهدف الرئيس الذي لن يقبل شعبنا بأقل منه..فلسنا أقلية على أرضنا ولا نطمع باحتلال صنعاء أو صعده أو تعز، أو أن نشكل خطراً على الجيران، كما فعل من غزوا أرضنا وهددوا منطقة الجزيرة والخليج برمتها..

ولنتذكر أن الفرصة إذا لم نفتَرِصَها ونغتنمها في حينها فسنظل نجري ورائها وقد لا نجدها، فنظل نعض بنان الندم.. وقد قيل: الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود..