عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

جدلية السياسة والدين في العالم العربي

لم تستطع الأنظمة الحاكمة في العالم العربي ، تجاهل التأثير الديني في الفضاء السياسي العام ، أو غض الطرف عن الحركات السياسية ذات المرجعيات الدينية ، وآليات التعامل معها ، ليس من منطلق الفقه الديني بل على أساس الفقه السياسي من نواحيه المختلفة ، والبحث عن قواسم مشتركة للتعامل مع الواقع الاقتصادي والثقافي والحضاري ، ناهيك عن منظومة القيم العربية الإسلامية وهنا قد يسأل البعض ، هل بمقدور السياسة والدين أن يفكا التشابك بينهما وبين الواقع ؟ بالتأكيد لا فالسياسة والدين ، لا يستطيعان إغفال الجانب المادي في المنهج السياسي العام للحياة العامة ، التي يمثل الدين فيها الوجدان العام للمجتمع العربي وقيمه ، والمدرك الأساسي أن الإسلام عقيدة وثقافة وحضارة، والخطورة كامنة في تحريف منهج الإسلام ، من خلال ممارسات أحزاب إسلامية سياسية ، حولت الإسلام من عقيدة جامعة للأمة إلى أيدلوجية سياسية لفريق منها .

عرفت المنطقة العربية في الآونة الأخيرة أطروحات فكرية وسياسية حادة ومكثفة ، تناولت علاقة الدين بالسياسة والعكس ، وستظل تلك الأطروحات موجودة وبقوة ، طالما استمر التردي في الأوضاع العامة ، وانعدمت التنمية وبناء الدولة بناء عصريا ، يأخذ آبعادا تكاملية في مسار طبيعي ، مع الحفاظ على القيم الدينية الحنفية ومقاصد الشريعة النبيلة.

الأحزاب السياسية التي تمارس عملها السياسي مصبوغا بصبغة دينية ، كونت لدى جماهيرها صورة ذهنية مقدسة ، يتم من خلالها الخلط بين مواقف الحزب السياسية ، وبين النمط الديني المترسب في ذهن قواعد الحزب ، خلال التنشئة الحزبية الممزوجة بالخطاب الديني والدعوي ، ينجم عن ذلك تقديس آراء الحزب وتعظيم مكانة قادته لدى الموالين والأتباع ، لدرجة تصادر فيها عقولهم ، وتصير رؤى الحزب واتجاهاته مسلمة ، يجب الإيمان بها ، وأي تساؤل حولها يعد مجانبة للصواب، وخروج عن الحقيقة.

في وطننا العربي عندما تفشل السلطة في تقديم حلول لمشاكل المجتمع ، وعندما لاتملك الأحزاب  برامجا، توجد لها جمهورا يحتضنها ويصنع لها قبولا في المجتمع تلجأ للتلبس بالدين ، والالتصاق بالسماء، داعية سكان الأرض للتسليم والانقياد لها.

النظام السياسي في الوطن العربي هو المسؤول عن التنشئة الدينية والفكرية والاجتماعية ، وتكوين الهوية الوطنية العربية ،  وعليه تقع مسؤولية الانحرافات والتشوهات المعرضة استقرار المجتمع للخطر بمفهومه الشامل ، وهو المسؤول عن إنتاج أجيال مبرمجة مسبقا ، تفتقر للعقليات الناقدة الغير قابلة للتعبئة الجاهزة أو التفريغ السريع ، في ظل التماهي مع الفرد القائد أو الحزب المخلص، ولن يتم تقليل تضليل الرأي العام ، وتخفيف مساحة التجاذبات الدينية والسياسية إلا بتبني خطاب،سياسي وديني متنور، يتواءم مع العصر ويلبي طموحات وآمال الجماهير العربية.