عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):
حصار تعز بين الاستحقاقات الإنسانية والمكاسب السياسية
توقفت معركة استكمال تحرير محافظة تعز ، ضمن توقف معركة استعادة صنعاء وإسقاط الإنقلاب ، لم يأخذ ملف حصار تعز حقه من الاهتمام ، وتسليط الضوء عليه كملف إنساني بالدرجة الأولى ، إلا في الآونة الأخيرة ؛ كونه كان ضمن بنود الهدنة الأممية ، التي بموجبها وبتنازلات من الشرعية فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ، وما تبع ذلك من مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة للمليشيات الحوثية .
لا تنظر الأمم المتحدة لحصار تعزكملف إنساني خالصا ، بل ورقة سياسية ضمن تعقيدات المشهد العسكري والسياسي اليمني، ومن ثم فهي تراعي فيه موقف المليشيات الحوثية منه ، كما أن تنازلات الشرعية السريعة ، واستجابتها لمقترحات الأمم المتحدة ، فيما يتعلق بمطار صنعاء وميناء الحديدة ، شجع الأمم المتحدة على إرجاء ملف حصار تعز لجولة مفاوضات جديدة ، ستفتح الباب للمليشيات الحوثية للتملص والمماطلة والتسويف ؛ لتستمر معاناة ملايين المواطنين في مدينة تعاني ويلات الحرب والحصار منذ سبع سنوات .
قدم الوفد المفاوض باسم الشرعية مقترحات لفتح الطرق الرئيسة في تعز ، التي تربطها ببقية المحافظات ، لكن بالطبع سيرفض وفد المليشيات الحوثية تلكم المقترحات ، وسيقدمون مقترحاتهم لفتح طرق أخرى ؛ لتنقل ومرور المدنيين والبضائع ، سيتخندق كل فريق وراء تصوره ، عندئذ سيتدخل المبعوث الأممي ، وسيقدم مقترحات بفتح طرق غير المقترحة من الطرفين ، كطريق وادي غراب - الستين - مفرق الذكرة - وهو الأرجح ، أو في أعلى درجات التفاؤل ، طريق بير باشا - مفرق السمن والصابون - البرح - الحديدة عندئذ سيوافق وفد المليشيات الحوثية ، وستعلن الأمم المتحدة عن تحقيق منجز كبير لها ، بأنها تمكنت من جمع الطرفين وإقناعهم بفك الحصار ، وعلى ضوء ذلك ستطلب تمديد الهدنة لفترة أخرى ، وهو ما ستوافق عليه الشرعية ، بينما سترفع المليشيات الحوثية من شروطها ؛ لكسب المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية ، التي ستتعامل معها الأمم المتحدة بجدية ، وستأخذها بعين الاعتبار .
بمجرد توقيع اتفاقية فتح الطرق ، ستصبح الشرعية مقيدة بموقف وتصورات الأمم المتحدة ، بينما الحوثيون سيفتحون باب التملص والمراوغة ، بالنسبة للجان الميدانية ، التي ستشرف على تنفيذ الاتفاق ، وستختلق كثيرا من المبررات العبثية ، الرامية من ورائها تأخير التنفيذ للاتفاق وإفراغه من مضمونه ، كما أنه لن يكن هناك ما يمنع المليشيات الحوثية من اعتقال من تشاء ، أو فرض أتاوات على المارين أو البضائع ، ناهيك عن أن تعيد غلق الطرق والمنافذ تحت أي ذريعة متى شاءت .
في حسابات المجتمع الدولي والأمم المتحدة فتح طرق لمرور المدنيين ، ولو كانت غير التي يطالب بها أبناء تعز ، هو بمثابة إسقاط لمشروعية تحرير بقية مديريات المحافظة ، وتمهيد للدخول في ترتيبات قادمة لتشكيل سلطة مشتركة مع المليشيات الحوثية ، تبقي على التواجد العسكري للمليشيات الحوثية في المناطق التي تسيطر عليها ، ما يجعل تعز مقسمة مقطعة الأوصال ، ويجعل المدينة عرضة لاقتحامها في أي وقت .
طالما بقي التواجد العسكري للمليشيات الحوثية في ستة مديريات من محافظة تعز ، ومتحكمة في مداخل المدينة ، التي تربطها ببقية المحافظات - وإن سمحت بعبور المدنيين منها - فإن تعز ستظل محاصرة ، وتحت رحمة تلكم المليشيات ، وستظل خانقة لها مستغلة حصارها كورقة ضغط سياسية واقتصادية ، تمنحها المزيد من المكاسب على حساب معاناة ملايين المواطنين .