الحبيب الأسود يكتب:

كن دكتاتوريا

في العام الماضي، قال باحثون في جامعتي نيفادا وميشيغان الأميركيتين، إن الزواج قد يكون مخطرا على صحة الإنسان مثل التدخين، وإن الخلافات الزوجية يمكن أن تؤدي إلى آثار سلبية في الجسم، مثل الالتهابات وتغير على مستوى شهية الأكل وزيادة هرمونات الضغط النفسي، وكلها يمكن أن تضر بالحالة الصحية، المتراوحة بين وظائف القلب والجهاز المناعي.

بعض العلماء يشيرون إلى أن العزوبية رغم كل ما يقال عنها هي أقل خطرا من الزواج، فالشخص المتزوج معرض في غالب الأحيان للانفعالات سواء في علاقته بالنصف الآخر أو بالأطفال، أو بالالتزامات اليومية للأسرة. دراسة كندية أكدت أن الانفعال والغضب يضاعفان خطر الإصابة بالنوبات القلبية خلال ساعة من لحظة الغضب، ويرجع ذلك إلى تأثيره على رفع ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب وإحداث خلل في تدفق الدم خلال الأوعية الدموية والحد من وصول الدم إلى القلب.

 وأكد الدكتور أندرو سميث من جامعة ماكماستر الكندية في دراسة علمية أن قلة تدفق الدم إلى القلب تؤدي إلى النوبات القلبية وهو ما يفسر سبب إصابة كثيري الانفعال بأمراض القلب، وهو ما يعزّز نتائج دراسة سابقة نشرت في مجلة القلب الأوروبية، كشف فيها الباحثون أن الغضب يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية بمقدار 5 أضعاف الفرد الطبيعي ويضاعف من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بمقدار 3 أضعاف.

والقلب هو أكثر الأعضاء تأثرا بالغضب، فبسببه يمكن أن تزداد سرعة ضربات القلب لتتجاوز الحد الطبيعي، ومع استمرار الغضب ستزداد سرعة النبضات التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالنوبات القلبية.

كما أنه أثناء الغضب ترتفع في الجسم هرمونات الكاتيكومالين (الخاصة بالاستجابة للضغط والتوتر) وهرمون النورادرينالين (الخاص باستثارة الخلايا العصبية في الجسم)، أربعة أضعاف النسبة الطبيعية في الدم.

وهذان الهرمونان يمكن أن يسببا حدوث ضرر في عضلة القلب في الأجل القريب والبعيد، ويؤديا أيضا إلى ترسب الكوليسترول على جدران الشرايين.

أردت من خلال هذه المقدمة الإشارة إلى مخاطر الانفعالات المفروضة على أهل الزمان ليس بسبب الزواج أو الأطفال أو العمل أو الأوضاع المالية أو العلاقات الاجتماعية، ولكن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي نعيش معها الساعات الطوال يوميا، ونرى فيها ما يثير الانفعال ويشعل الغضب ويوتر الأعصاب، ويزيد من الضغط، ويرهق القلب والعقل معا، وخاصة من حيث كميات الأكاذيب والأباطيل وفساد الأخلاق والغباء والجهل والسب والشتيمة ودكتاتورية الموقف وغيرها من المضامين المدمرة للصحة النفسية والبدنية، بمعنى آخر، أنت قد تهرب من كل سلبيات المجتمع بتحاشيك التماس معها، لكنك ستصطدم بها أمامك ووراءك تلاحقك حيثما كنت من خلال فيسبوك أو تويتر أو غيرهما.

اللافت أن أكثر الناس إثارة للجدل عبر تلك المواقع لا يطلعون عليها ولا يتعاملون معها، فهم يشعلون الفتيل ثم ينجون بأنفسهم من ناره، وإذا تعاملوا معها فبقسطاس، وأما العقلاء فهم من يقاطعونها تماما، أو يستعملونها على نطاق ضيق، ويحددون صداقاتهم الافتراضية بأهل الطرب وأصحاب النكتة وعارضات الأزياء وغيرهم ممن لا شأن لهم بالسياسة والدين والاقتصاد والانتخابات.

حاذر صداقات السوء على مواقع التواصل وكن دكتاتوريا في مقاطعتك لمن لا يتلاءم مع مواقفك وتفكيرك، ولا تقبل بصاحب الرأي الذي يعكر عليك صفوك، ولا تجامل على حساب صحتك، فالانفعال قاتل، وغضبك المكبوت قد يقودك إلى حيث لا تريد أن تكون.