مصطفى حمزة يكتب:

باقية وتتمدد!

لا يستحق مقتل الإرهابي أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» كل هذه الضجة التي حظي بها، فكل ما هنالك أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب قررت التخلص منه بعد تنفيذ مهمة محددة في منطقة الشرق الأوسط، من أجلها أطلقوا سراحه من سجن بوكا، في ديسمبر 2004م، ليبايع أبا مصعب الزرقاوي، ثم يتسلم بعد ذلك قيادة تنظيم «دولة العراق الإسلامية» عقب مقتل زعيمه أبي عمر البغدادي ومساعده أبي أيوب المصري،  في مايو 2010م، وهذا التنظيم هو الذي أصبح فيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية المزعومة في العراق والشام «داعش».

ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتولى أمريكا مقتل أحد قادة الإرهاب في العالم، فقد قتلت إدارة الرئيس أوباما من قبل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ومن قبله قتلت إدارة الرئيس بوش الابن أبا مصعب الزرقاوي، عام 2006م، وكما يقولون في المثل المصري العامي: (اللي يحضر العفريت يصرفه) فإن الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من أجهزة المخابرات العالمية دائمًا ما تصنع الإرهاب وتصدره إلى منطقة الشرق الأوسط بحجج مختلفة ومتعددة، منها ما يتعلق باقتصاديات الإرهاب وتصدير السلاح، ومنها ما يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الكبير وتقسيم الدول العربية وإضعاف جيوشها ليصب في النهاية لصالح حماية الأمن القومي لإسرائيل.

أمريكا تعاني من ازدواجية شديدة فيما يخص ملف محاربة الإرهاب، فهي لا تهتم بوجود تعريف واضح ومصطلح محدد للإرهاب الذي تزعم مواجهته، وهذا مقصود؛ حتى لا تتهم الولايات المتحدة بدعم الإرهاب أو التنظيمات الإرهابية، فما تراه مصر إرهابًا قد لا تراه أمريكا كذلك ومن تصنفهم دول التحالف الرباعي بتنظيات وكيانات إرهابية قد لا تصنفهم أمريكا بالتصنيف ذاته، وهو ما يجعلنا نسعى لفهم ما الذي تعنيه أمريكا بالإرهاب، وذلك من خلال استقراء مواقفها الدولية وتعاطيها مع التنظيمات الإرهابية المختلفة، فإذا كان الرئيس ترامب صادقًا في القضاء على الإرهاب مثلما صرح بذلك في خطابه الأخير الذي أعلن فيه مقتل البغدادي، فلماذا لم يصنف جماعة الإخوان التي تعد الجماعة الأم لداعش والقاعدة وغيرهما كتنظيم إرهابي حتى هذه اللحظة، على الرغم من أن حظر هذه الجماعة داخل الولايات المتحدة كان جزءً من البرنامج الانتخابي للرئيس الأمريكي؟!

ولماذا تباكى ترامب على ضحايا «داعش» من كتاب وصحفيين أمريكيين وطيار أردنيـ وغض الطرف عن الإرهاب الصهيوني الذي يقتل الأبرياء يومًا بعد يوم؟! وهل يعد ما يفعله «داعش» إرهابًا وما يفعله الاحتلال الصهيوني في القدس إعمارًا؟! ألا يعكس ذلك بجلاء ووضوح ازدواجية الولايات المتحدة في التعامل مع الإرهاب في العامل؟! فهي لا تحارب إلا الإرهاب الذي يهدد الداخل الأمريكي فحسب، أما إذا تعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط فتقف الإدارة الأمريكية موقف المتفرج، وربما المحرك للمشهد من وراء ستار.

مقتل البغدادي حدث كبير بلا شك ويؤثر على تنظيمه سلبًا، ولكنه لن يقضي بحال من الأحوال على التنظيم أو غيره من التنظيمات الإرهابية، فهذه التنظيمات لها صفوف قيادية مختلفة، وسيتم اختيار من يخلفه خلال ساعات بعد أن يعلن التنظيم رسميًّا عن مقتله، وفي الغالب سيكون القيادي الجديد واحدًا من العسكريين العراقيين الذين كانوا في صفوف حزب البعث، وسيزعمون انتسابه للقرشيين؛ ليلقى قبولًا داخل التنظيم الذي يشترط أن يكون خليفته قرشيًا، على الرغم من أن البغدادي نفسه لم يكن كذلك وإنما كان عراقيًا من سامراء.

سيؤثر مقتل زعيم داعش على فروع التنظيم القريبة من المركز في سوريا والعراق، ولكن الأفرع البعيدة في أفريقيا أو منطقة الساحل والصحراء ربما لن تتأثر كثيرًا، وستظل متماسكة لأنها تحت قيادة منفصلة بايعت داعش في السابق، نعم سيتأثر التنظيم، ولكن سيظل هو وغيره من التنظيمات الإرهابية باقية وتتمدد، حتى وإن تراجع هذا التمدد بسبب الضربات المتلاحقة التي وجهت إليه ولكن لن ينتهي الإرهاب بموت البغدادي.