مصطفى منيغ يكتب:
الغريب المغرب كئيب
كل التَّخطيطات البعيد زمانها كالقريب ، فُسّرَت من طرف واضعيها بعد انتقالها من فشل بسيط لآخر مُعقد بأنها مُجرّد تجاريب ، ولولا تضحيات المغاربة لأصيب المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني بالسكتة القلبية ليّشرٍّق مَن يُشرق وهو لخيرات البلد سارق أو يُغَرِّب مَن عاش في وطنه غريب ، فكان البدء قاعدته القناعة بالقليل عكس المتدربين على ابتداع الأعذار لتبريد ما استولوا عليه في غفلة من الشعب الطيب، الذي لازال البعض فيه يؤكدون رؤية صورة الملك الراحل محمد الخامس تتلألأ انطلاقا من القمر أمام استغراب الأجانب ، ليتيقنوا بعدها أن وعي المغاربة بما ينتظرهم يمثل الفرصة الوحيدة لمواجهة تلك التركيبة المؤسَّسَة بما تركه الاستعمار الفرنسي في مدن الرباط والدار البيضاء وبأهمية أقل في فاس من عناصر مُنْقَضَّة منذ اللحظات الأولى لرحيل ذاك المُستعمر لملء الفراغ الذي طال أذرع الحكم السلطاني المدرك بِصَمْتِه ورضاه لصعوبة المراحل الانتقالية المفروض تجاوزها بالليونة ما دامت الوسيلة الوحيدة لاستمرارية القبول بأي شيء المهم التقدم بالمتوفر لتحقيق ما كان بالأمس مجرد أحلام لدولة لها ما يكفي للوقوف على رجليها بجديد أركان ومناصب .
... وها نحن لا زلنا كما كنا من سبعين سنَة نتمنى ولا نُقابل إلا بما ينفيه الصواب، حتى التصالح مع سنوات الجمر بتوزيع دُرَيْهَِماتٍ لا تساوي دقائق من عمر المغلق عليهم أبواب زنزانات "تَزْمَمَرْتْ" ظلامها أظلم من ظلام القبر ليردَّها مَن ردها (عكس الكثيرين) بالحل المناسب، ولم تزد الأمور مع توالي السنين إلا استفحالا باستبدال مثل الزنزانات بأخريات قائمة (كما يتخيلها العقل المنصف) في الهواء الطلق حيث المساجين بالملايين يحيون تحت عتبة الفقر تغطيهم السماء وتعذبهم نفسيا ما فوقها يسكنون كأجساد تحركها أرواح لا تملك غير بطائق وطنية تُعَرٍّف بمغربيتهم ولا تعترف بحقوقهم إن طالبوا بما لهم طلعت من خلفهم المخالب ، فلا مفر لهم إلا للقدر وما لهم بين صفحات مجهوله للبشر كاتب .
... إلى متى ، والعمر صُرِف مع الأسى ، باستثناء مَن للأمر تولوا ، فكانوا لأنفسهم وكفى ، لا شأن لهم بمن للخبز الجاف المبلول بالشاي المُحلَّى ، لينام خفيف الأمعاء محسوب الضلوع إن تعرى ، لشرح حاله لمن لحيلة التهرب اهتدى، فالدولة لها حكومة مسؤولة عن "حروف الجر" و"إنَّ" و"هكذا" و"حتَّى" ، منتخبة أو ما يُقارب المَعِنى ، لذا خطاب المعوزين موجه لها يكون كما كان أيام التداوي من صلابة الرأس بمسبِّب الحُمَّى ، لتتوحد الجموع على ظاهرة الانتظار ، حتى تُزرع مِلح البحر في كل دوار ، منبع مَن هجر ، مسبِّبا أزمة موازنة المصاريف بمداخل وبينهما أُخْرَى ، ممنوع الحديث عنها لسرية أسْراٍر سِرِّيَةٍ قَضَى بها مَن قضى ، وعاش مَن عَلِمَ بما جَرَى ، من سنين طوال فأسرع بطحن ما تبقَّى من رغيف يابس وينسى، عملا بتغطية الشمس بالغربال من زمن تكميم الأفواه إلى يومنا هذا المُمَيَّز بالحكمة المعكوسة : إِنْ كان الكلامُ رخيصاً فالصَّمْتُ أَغْلَى .
...الحكومة كائنة أو منعدمة شيء واحد بالنسبة لمن اطلع على الحقيقة المُرَّة التي جعلت من الشعب في منأى عنها تخدمه ما دامت منشغلة بخدمات المجالس الوزارية المفرزة للمجالس الحكومية المتتالية كل يوم خميس المُقامة للنظر في كل شيء ما عدا المتعلق بالتنمية الاجتماعية الشعبية وما حلُّها بالتراكم استعصى ، فلا صحة ولا تعليم ولا شغل ولا حق في الكلام إلا برخصة محرَّر في شأنها طلب كلماته في حلاوة العسل أو أحلى .
... خدمة الشعب المغربي الشهم الأبي فضيلة عُظمى ، لو فهمت الحكومة الحالية انطلاقا من سابقتها الشقيقة الصُغرى ، لحزب خارج من التاريخ بما ينتظره يوم الطّامة الكبرى ، لو فهمَت دورها العميق ليس المحكوم بعاطفة سياسية داخلها تَتَخَبَّى ، ولكن بالحكمة المتضمنَّة : لا تنشغل بمن احتضنك لفترة معيّنة محدودة بل بمن يحتضنك طول العمر بقيمة لك خَبَّى ، ما دام الأهم الوسط العائدة إليه عن طيب خاطر أو مكرهة بتصرفات تَتَصَبَّى ، وما دامت مثل المقامات والمناصب السياسية أقصاها بضع سنوات من الفشل منتهية إليه في بلد متخلِّف عن سواه من بلاد الغرب الأوربي القريبة منه جغرافيا المتأثر البعض من أهله بغير مؤهلات لها تَقْبَى ، إذ التقليد مهما كان متقنا لا يخفي المصدر إن كانت الأمية فاقت كل التوقعات داخله (بفعل فاعل) مضمونا ومعنى.
...الكآبة منتشرة والتجهُّم لها أصدق علامة ، أن الحكومة محكومة بحُكْمٍ مُتَحَكِّمٍ منذ القديم في سُبُلٍ أبسطها تحديد المُحَدَّدِ بقانون ، أو بتعبير مَُشَخَصٍ فوق خشبة أبي الفنون ، أو بجرأة قرار شفويٍّ لا أحد علي التخفيف منه يتجرأ بموقف مكتوب و عن ذلك يُعْلِن ، ومن لا زال يردد وغداً تُشرق الشمس فليراجع مصاريف مقتنيات آليات قمع الشَّغب حتى وإن كان وراءه مَن أحسوا بالسَّغب في بلاد لها من الخيرات ما تجعل خمسمائة مليون نسمة تعيش مكتفية ذاتيا بما تنتجه اعتمادا على النفس . لذا العيب ليس في الحكومة بل فيمن سكت من عناصرها سكوت فاق سكوت الخائفين من عموم الناس المنتظرين إحسان المحسنين الأمريكيين وحلفائهم العالميين ، فكان من أوجب واجبات تلك الحكومة أن تقدم استقالتها وتنحاز لمطالب الشعب المتضمنة الإصلاح الجذري الذي بغيره سيظل المغرب ذاك الكئيب العجيب المُرعب الرهيب . (للمقال صلة)