عماد الدين أديب يكتب:

محاولة لفهم سياسة الإمارات

لمن لا يفهم القواعد الحاكمة لسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة، يتعين إلقاء نظرة فاحصة على الجغرافيا السياسية للدولة، ومعرفة أبعاد ملفات التوتر الإقليمي التي تحيط بالمنطقة.

وكما يقول أحد أهم أساتذة الجغرافيا السياسية في العالم، الدكتور جمال حمدان رحمه الله، فإن «الجغرافيا هي صانعة التاريخ، وطبيعة الموقع الجغرافي والحدود الإقليمية البرية والبحرية تفرض نفسها حتماً على اتجاهات صناعة القرار السياسي».

لمن لا يفهم، أو لا يريد أن يفهم، السياسة الإماراتية ليست سياسة انفعالية أو عدوانية أو عاشقة للتدخل في ملفات المنطقة، لكنها سياسة تقوم على حماية السيادة الوطنية، وتأمين الحدود، ورد العدوان، وحماية مصالح البلاد والعباد

تقع دولة الإمارات في قلب الخليج العربي، ويحدها من الشمال والشمال الغربي، الخليج العربي، ومن الغرب السعودية، ومن الجنوب سلطنة عمان والسعودية أيضاً، ومن الشرق بحر عمان والسلطنة.

من هنا يصبح استقرار الحدود السعودية اليمنية أمراً حيوياً واستراتيجياً للأمن القومي الإماراتي، ويصبح أمن مضيق هرمز ذا أهمية عليا؛ لأنه يتحكم في مرور التجارة وأكثر من ٩٠٪ من نفط دولة الإمارات، الذي يُعتبر مصدر الدخل الأساسي للبلاد.

نظرة واحدة عميقة ومتفحصة لملفات التوترات في المنطقة كفيلة بتفسير كثير من الأمور.

انظروا إلى اليمن، يهدد الحدود الدولية السعودية.

انظروا إلى إيران، ما زالت تحتل ٣ جزر إماراتية استراتيجية وتهدد أمن الإمارات.

انظروا إلى الدور العماني الوسيط مع إيران، مما ينذر بأنه قد يشكل جبهة رخوة في الحدود مع الإمارات رغم كون السلطنة عضواً في مجلس التعاون الخليجي.

انظروا إلى قطر التي ثبت بالدليل القاطع تآمرها على تمويل ودعم خلية لجماعة الإخوان المسلمين في الإمارات.

انظروا إلى الدور القطري-التركي في واشنطن ولندن وباريس وبرلين في محاولة الإساءة وتشويه صورة ومصالح الإمارات عالميا إلى حد محاولة الاغتيال السياسي لقيادتها.

انظروا إلى ساحات المواجهة مع المصالح الإماراتية السعودية من قبَل تركيا وقطر في السودان وليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال وجيبوتي.

انظروا إلى الهيستيريا الإيرانية تجاه الإمارات وضد البحرين والتهديدات المستمرة لأمن المنامة وأبوظبي على مستوى التصريحات والأفعال.

لمن لا يفهم، أو لا يريد أن يفهم، السياسة الإماراتية ليست سياسة انفعالية أو عدوانية أو عاشقة للتدخل في ملفات المنطقة، لكنها سياسة تقوم على حماية السيادة الوطنية، وتأمين الحدود، ورد العدوان، وحماية مصالح البلاد والعباد.

من هنا يعتقد صانع القرار الإماراتي أنه يتخذ «سياسة الضرورة» التي تفرضها عليه تحديات الأمر الواقع في المنطقة، وأنه لو لم تتخذ هذه القيادة هذه المواقف الفاعلة لرد العدوان ومنع تأثير المؤامرات الخبيثة الشريرة، لكانت هذه القيادة مقصرة في حق شعبها والتزامها الوطني والأخلاقي تجاه مصالح بلادها.

كان من السهل نظريًّا أن تتخذ قيادة الإمارات موقف المشاهد السلبي مما يحدث في المنطقة وتكتفي ببيانات الشجب أو التأييد دون أن تحرك ساكناً، أو ترسل جندياً، أو تدفع درهماً واحداً، لكن ذلك ليس من شيم وأخلاقيات أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.